فهرس الكتاب
الصفحة 229 من 363

وقد تقدم نقل البخاري عن عليّ هذا الكلام.

والشيعة الذين صحبوا عليّاً كانوا يقولون ذلك، وتواتر ذلك عن عليّ من نحو ثمانين وجهاً. وهذا مما يقطع به أهل العلم، ليس هذا مما يخفى على مَنْ كان عارفاً بأحوال الرسول والخلفاء.

الفصل الثامن

إثبات أن حديث الطير من المكذوبات الموضوعات

قال الرافضي:"الثامن: خبر الطائر. روى الجمهور كافة أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أُتِيَ بطائر، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطائر، فجاء عليّ، فدق الباب، فقال انس: إن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على حاجة، فرجع. ثم قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كما قال أولاً، فدق الباب، فقال أنس: ألم أقل لك إنه على حاجة؟ فانصرف، فعاد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فعاد عليّ فدق الباب أشد من الأولين، فسمعه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فأذن له بالدخول، وقال: ما أبطأك عني؟ قال: جئت فردني أنس، ثم جئت فردني أنس، ثم جئت فردني الثالثة، فقال: يا أنس ما حملك على هذا؟ فقال: رجوت أن يكون الدعاء لرجل من الأنصار، فقال: يا أنس أوَ في الأنصار خير من عليّ؟ أوَ في الأنصار أفضل من عليّ؟ فإذا كان أحب الخلق إلى الله، وجب أن يكون هو الإمام".

والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بتصحيح النقل. وقوله:"روى الجمهور كافة"كذب عليهم؛ فإن حديث الطير لم يروه أحد من أصحاب الصحيح، ولا صححه أئمة الحديث، ولكن هو مما رواه بعض الناس، كما رووا أمثاله في فضل غير عليّ، بل قد رُوي في فضائل معاوية أحاديث كثيرة، وصُنِّف في ذلك مصنفات. وأهل العلم بالحديث لا يصححون لا هذا ولا هذا.

الثاني: أن حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل [1] . قال أبو موسى المديني:"قد جمع غير واحد من الحفَّاظ طرق أحاديث الطير"

(1) قال أبو عبد الرحمن: خرّج الشيخ أحمد ميرين البلوشي حديث الطائر وتتبع طرقه في تحقيقه لكتاب"خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه"للإمام النسائي ص 29 وما بعدها فأجاد وأفاد، ولنفاسة ذلك التخريج أذكره لإخواني طلبة العلم لينتفعوا به.

قال الشيخ البلوشي وللحديث عن أنس ثلاثون طريقاً:-

* الأولى: طريق السدي عن أنس.

أخرجه الترمذي: المناقب (5: 300) وأبو يعلى كما في المقصد العلي (ق 2/ 123) وابن عدي في الكامل (2/ 3/69) وابن المغازلي في مناقب علي (171) وابن عساكر (12: 124، 125) وابن الجوزي في العلل المتناهية (1: 226) والخوارزمي في"المناقب" (59) ونقل ابنُ عساكر عن الدارقطني قوله في المسند: تفرد به عيسى بن عمر عن السدي. قلتُ: بل تابعه فيه الحارث بن نبهان عن السدي عند ابن عساكر، والحارث متروك كما في"التقريب".

* الثانية: طريق حماد بن المختار، عن عبد الملك بن عمير عنه.

أخرجه الطبراني في"الكبير" (1/ 226) وابن المغازلي (171) وابن عساكر (12: 125) وابن الجوزي في العلل (1: 228) وابن المؤيد الجويني في"فرائد السمطين" (1: 209) ، وحماد بن المختار هذا نقل ابن الجوزي عن ابن عدي قوله فيه:"شيعي مجهول". وقال الذهبي في المغني. (1: 83) "لا أعرفه".

* الثالثة: عن جعفر بن سليمان عن عبد الله بن المثنى عن عبد الله بن أنس عنه. أخرجه أبو يعلى في"المسند"كما في"المطالب العالية" (ق 556) وابن عدي (ق 2/ 32) وابن المغازلي (172) وابن عساكر (12: 122) وجعفر بن سلميان وإن وثق فهو من غلاة الروافض كما في"الميزان" (1: 408) والغالي لا تُقبل روايته فيما يقوي به بدعته كما تقدم. وعبد الله بن المثنى قال عنه في التقريب:"صدوق كثير الغلط".

* الرابعة: أبو الهندي عن أنس.

أخرجه ابن شاذان في جزء من مشيخته (ق 102) والخطيب في"تاريخ بغداد" (3: 171) وابن المغازلي (166) وابن عساكر (12: 124) وابن الجوزي في العلل (1: 227) . وأبو الهندي قال عنه الخطيب:"مجهول، واسمه لا يعرف"وكذا قال عنه الذهبي في"الميزان" (4: 583) .

* الخامسة: عن إسماعيل بن سَلْمان - بسكون اللام - الأزرق عنه.

أخرجه البخاري في"التاريخ الكبير" (1: 358) والبزار كما في"مختصر زوائد مسنده" (ق 363) وابن المغازلي (161) والخوارزمي (65) وإسماعيل الأزرق قال عنه ابن نمير والنسائي: متروك، وقال أبو حاتم. والدارقطني: ضعيف، وعن ابن معين: ليس بشيء. انظر: الميزان (1: 232) .

* السادسة: عن عثمان الطويل عنه.

أخرجه البخاري في"التاريخ الكبير" (2: 3) وابن المغازلي (162) وابن عساكر (12: 123) وعثمان الطويل مجهول الحال لم يوثقه إلا ابن حبان كما في"اللسان" (4:159) وقال:"ربما أخطأ"ولا يعتمد توثيقه لتساهله. ولا يُعرف لعثمان سماع من أنس كما قال البخاري.

* السابعة: عن محمد بن عياض عن يحيى بن حسان عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد عنه.

أخرجه الطبراني في"الأوسط" (ق 2/ 109) وابن يونس في"تاريخ مصر"كما في اللسان (5: 58) والحاكم (3: 130) وقال:"صحيح على شرط الشيخين"وتعقبه الذهبي بقوله:"ابن عياض لا أعرفه"وقال عنه الحافظ في"اللسان" (5: 58) "مجهول".

* الثامنة: عن إسماعيل بن سليمان الرازي عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه.

أخرجه الطبراني في الأوسط كما في"مجمع البحرين" (3: 340) والخطيب في تاريخه (9: 36) وابن عساكر (12: 125) وابن الجوزي في"العلل" (1: 227) وإسماعيل بن سليمان هو أخو إسحاق بن سليمان. قال الذهبي في المغني: (1: 82) "ضعَّفه غير واحد، قال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم".

* التاسعة: عن مسلم بن كيسان عنه.

أخرجه الخطيب في الموضح (2: 398) وابن المغازلي (168) وابن الجوزي في"العلل" (1: 232) وابن عساكر (12: 123، 125) . ومسلم هذا قال عنه الفلاس: متروك الحديث، وعن ابن معين: ليس بثقة، وقال البخاري: يتكلمون فيه. انظر الميزان (4: 106) .

* العاشرة عن إبراهيم بن باب عن ثابت البناني عنه.

أخرجه العقيلي (1:46) والحاكم (3: 131) وإبراهيم بن باب هو البصري، قال عنه الذهبي في"المغني" (1: 10) :"ضعيف واهٍ".

* الحادية عشرة: عن بشر بن الحسين، عن الزبير بن عدي عنه.

أخرجه أبو نعيم في"أخبار أصبهان" (1: 232) وابن المغازلي في"مناقب علي" (163) وابن عساكر (12: 124) وابن المؤيد الجويني في"فرائد السمطين" (1: 212) . وبشر بن الحسين قال عنه البخاري:"فيه نظر"وقال أبو حاتم: يكذب على الزبير. التاريخ الكبير (2: 17) والجرح والتعديل (2: 355) .

* الثاني عشرة: عن عبد الله بن محمد بن عمارة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله عنه.

أخرجه أبو نعيم في"الحلية" (6: 339) وابن الجوزي في العلل (1: 225) . وابن عمارة هذا قال عنه الذهبي في"الميزان" (2: 489) "مستور ما وثق ولا ضعف"وقال الحافظ في ترجمته من"اللسان" (3: 336) :"أورد له الدارقطني في"الغرائب"عن مالك عن إسحاق بن عبد الله عن أنس حديث الطير وهو منكر، وقال: تفرد به ابن عمارة عن مالك وعيرهُ أثبت منه".

* الثالثة عشرة: عن أبي مكيس دينار عنه.

أخرجه السهمي في"تاريخ جرجان" (ص 169) والخطيب (8: 382) وابن الجوزي في"العلل" (1: 229) وأبو مكيس قال عنه الذهبي في"المغني" (1: 224) : ساقط. قال ابن حبان:"يروي عن أنس أشياء موضوعة".

* الرابعة عشرة: عن يغنم بن سالم عنه.

أخرجه ابن المغازلي (164: 171) ويغنم هذا قال عنه ابن حبان في"المجروحين" (3: 145) :"شيخ يضع الحديث على أنس بن مالك"وقال الذهبي في"المغني" (2: 760) :"هالك".

* الخامسة عشرة: عن علي بن الحسن حدثنا خليد بن دعلج، عن قتادة عنه.

أخرجه ابن المغازلي (169) وابن عساكر (12: 123) وعلي بن الحسن هو السامي قال عنه الذهبي في"الميزان" (3: 120) :"هو في عداد المتروكين". وخليد بن دعلج ضعفه ابن معين وأحمد، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو حاتم: ليس بالمتين في الحديث، حدث عن قتادة أحاديث منكرة. انظر التهذيب (3: 158) .

* السادسة عشرة: عن خالد بن عبيد عنه.

أخرجه ابن المغازلي (173) وابن الجوزي في"العلل" (1: 229) . وخالد هذا قال البخاري: في حديثه نظر وقال الحاكم: حدث عن أنس بموضوعات. الميزان (1: 634) .

* السابعة عشرة: عن عبد الله بن زياد أبي العلاء عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عنه.

أخرجه ابن عساكر (12: 123) وعبد الله بن زياد قال عنه البخاري في"التاريخ" (5:95) :"منكر الحديث"وعليّ بن زيد هو ابن جدعان قال عنه الحافظ:"ضعيف".

* الثامنة عشرة: عن ميمون أبي خلف عنه.

أخرجه البخاري في"التاريخ الكبير" (1: 358) والعقيلي (4: 189) وابن عساكر (12: 123، 124) . وميمون أبو خلف هو ابن جابر، قال أبو زرعة: متروك، وقال العقيلي: لا يصح حديثه. لسان الميزان (6: 140) .

* التاسعة عشرة: عن عبد الله بن ميمون عن جعفر بن محمد - الصادق - عن أبيه عنه.

أخرجه أبو الشيخ في"طبقات المحدثين" (ق 223) وابن الجوزي في العلل (1: 232) ، وعبد الله بن ميمون هو القداح، قال عنه الحافظ:"منكر الحديث متروك".

* العشرون: عن محمد بن زكريا بن دُويد عن حميد الطويل عنه.

أخرجه ابن المغازلي (156) ، ومحمد بن زكريا قال عنه الذهبي في الميزان (3: 549) :"روى عن حميد الطويل خبراً باطلاً. والراوي عنه هو علي بن صدقة الجوهري لا أعرفه"قلت: هو الراوي عنه حديث الطير.

* الحادية والعشرون: عنالحسن بن عبد الله الثقفي عن نافع عنه.

أخرجه ابن المغازلي (167) . والحسن الثقفي هذا قال عنه الذهبي في الميزان (1: 501) :"منكر الحديث"ونافع هو ابن هرمز واه.

* الثانية والعشرون: عن محمد بن سليم عنه.

أخرجه ابن عساكر (12: 124) ، ومحمد بن سليم مجهول. قال الحافظ في"اللسان" (5: 192) "لا يعرف".

* الثالثة والعشرون: عن عبد الله بن المثنى عن ثمامة عنه.

أخرجه ابن عساكر (12: 122) وابن الجوزي في"العلل" (1: 231) . وفي سند ابن عساكر"عبد السلام بن راشد"قال عنه الذهبي في"المغني" (1: 394) "لا يُدرى مَنْ ذا"وفي سند ابن الجوزي العباس بن بكار قال الذهبي في"المغني" (1: 328) :"كذبه الدارقطني".

* الرابعة والعشرون: عن أبي النضر سالم مولى عمر بن عبيد الله عنه.

أخرجه ابن الجوزي في العلل (1: 230) وفي إسناده أحمد بن سعيد بن فرقد قال الذهبي في"الميزان" (1: 100) "روى حديث الطير بإسناد الصحيحين فهو متهم بوضعه".

* الخامسة والعشرون: عن مفضل بن صالح عن الحسن بن الحكم عنه.

أخرجه ابن الجوزي (1: 231) ، ومفضل هذا قال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن حبان: يروي المقلوبات عن الثقات فوجب ترك الاحتجاج به. التهذيب (10: 271) .

* السادسة والعشرون: حماد عن إبراهيم النخعي عنه.

أخرجه ابن الأثير في"أسد الغابة" (4: 30) وفي سنده محمد بن إسحاق بن إبراهيم الأهوازي متهم بالوضع كما في"الميزان" (3: 478) .

* السابعة والعشرون: عن عبد الملك بن أبي سليمان عنه.

أخرجه البخاري في التاريخ (2: 3) وأبو الحسين النرسي في"جزء من حديث أبي محمد (ق 136) وابن المغازلي (157) وإسناده منطقع، قال البخاري: عبد الملك بن أبي سليمان عن أنس مرسل. وكذا قال أبو حاتم. انظر المراسيل (ص 132) ."

* الثامنة والعشرون: عن يحيى بن أبي كثير عنه.

أخرجه الطبراني في الأوسط كما في"مجمع البحرين" (3: 340) ويحيى مدلس ولم يسمع من أنس. انظر الميزان (4: 402) .

* التاسعة والعشرون: عن خالد بن عبيد أبي عصام عنه.

أخرجه ابن عدي (3: 896) وخالد هذا قال عنه الحافظ:"متروك".

* الثلاثون: عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه، عن جده وعن أنس.

أخرجه الخطيب (11: 376) وابن الجوزي في العلل (1:230) . وعمر بن عبد الله ضعفه أحمد والنسائي، وقال البخاري: يتكلمون فيه، وقال الدارقطني: متروك. الميزان (3: 211) . وعبد الله بن يعلى قال الذهبي في"الميزان" (2: 528) :"ضعفه غير واحد"قال البخاري: فيه نظر"."

هذا ما تيسر لي جمعه من طرق هذا الحديث عن أنس، وإن كان أقل من ثلث طرقه عنه على ما ذكره ابن كثير في"البداية والنهايةط (7: 353) عن الذهبي أنه ألف جزءاً من طرق هذا الحديث قال:"فبلغ عدد من رواه عن أنس بضعة وتسعين نفساً، أقرب هذه الطرق غرائب ضعيفة، وأردؤها طرق مختلفة مفتعلة، وغالبها طرق واهية"ثم سرد أسماء الذين رووه عن أنس."

ورُوِي أيضاً من حديث سفينة، وابن عباس وعلي، ويعلى بن مرة.

وحديث سفينة له عنه ثلاث طرق:

* الأولى: عن مطير أبي خالد عن ثابت البجلي عنه.

أخرجه أبو يعلى في المسند كما في"المطالب العالية" (ق 556) وابن عساكر (12: 126) وابن المؤيد في"فرائد السمطين" (1: 214) ومطير هذا قال عنه أبو حاتم: متروك، وقال أبو زرعة: ضعيف. الجرح والتعديل (8: 394) .

* الثانية: عن بريدة بن سفيان عنه.

أخرجه البزار كما في"مختصر زوائد مسنده" (ق 263) وابن المغازلي (175) وابن عساكر (12: 126) . وبريدة بن سفيان قال عنه الدارقطني: متروك. المغني (1: 102) .

* الثالثة: عن سليمان بن قَرْم، عن فطر بن خليفة عن عبد الرحمن بن أبي نُعم عنه. في"المجروحين" (1: 332) :"رافضي غالي يقلب الأخبار"وقال ابن حجر:"سيئ الحفظ"وفطر بن خليفة قال عنه الذهبي في"المغني" (2: 516) :"شيعي جلد صدوق".

ومن حديث ابن عباس.

أخرجه العقيلي (4: 82 - 83) والطبراني في الكبير (10: 343) وابن عدي (3: 859) وابن المغازلي (164) وابن عساكر (12: 122) والخوارزمي في"المناقب" (50) من طريق محمد بن شعيب عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده. ومحمد بن شعيب قال عنه الحافظ في"اللسان" (5: 199) :"مجهول" {وفيها كذلك سليمان بن قرم وتقدم ما فيه وأورده الهيثمي في المجمع (9: 126) وعزاه إلى الطبراني وقال:"وفيه محمد بن شعيب (في المجمع والمعجم: سعيد وهو خطأ) شيخٌ يروي عنه سليمان بن قرم ولم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا، وفيه ضعف. أ. هـ.} ."

* ومن حديث عليّ بن أبي طالب.

أخرجه ابن عساكر (12: 122) من طريق عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب حدثني أبي، عن أبيه عن جده، عن علي. وعيسى بن عبد الله قال عنه الدارقطني:"متروك"كما في المغني (2: 498) .

وحديث يعلى بن مرة تقدم في الطريق الثلاثين عن أنس وعنه.

قال الحافظ بن كثير في"البداية والنهاية" (7: 354) :"وقد رُوي من حديث يعلى ابن مرة والإسناد إليه مظلم، ورُوِي من حديث حبشي بن جنادة ولا يصح أيضاً، ومن حديث أبي رافع نحوه وليس بصحيح".

وحديث الطير مع ضعف أسانيده رُوِي بألفاظ متعارضةٍ متضاربةٍ، فيه اضطراب من ثلاثة أوجه:

الأول: الاختلاف في نوع الطير، فعند أبي يعلى، وابن عدي عن أنس أنه كان"حجلاً"وعند الخطيب عنه - أعني أنساً - وعند ابن عساكر عن علي أنه"حُباري"وعند ابن المغازلي عن أنس أنه"يعاقيب"وعنده عنه"نحامة"وعند عساكر في رواية"دجاجة".

الثاني: الاختلاف في عدد الطيور، في بعض الروايات أنه كان طيراً أو دجاجة، أو نحامة، وجاء في بعض الروايات"أطيار"و"طوائر"و"نحامات".

الثالث: الاختلاف فيمن أهدى الطير، ففي رواية العقيلي والطبراني هي"أم أيمن"وعند ابن عساكر وابن المغازلي"امرأة من الأنصار"، وأم أيمن، ليست أنصارية.

والاضطراب في المتن علة قادحة بصحة الحديث أو حسنه. وقد ضعف هذا الحديث جمهور أئمة الحديث وحسنه البعض وإليكم بيان ذلك:

قال العقيلي في"الضعفاء" (1: 46) "وهذا الباب الرواية فيها لين، وضعف، ولا نعلم فيه شيئاً ثابتاً، وهكذا قال محمد بن إسماعيل البخاري".

وقال البزار:"رُوي عن أنس من وجوه، وكل من رواه عنه فليس بالقوي".

وقد بالغ أبو بكر بن أبي داود (ت 316) في رد هذا الحديث وإنكاره كما في"سير الأعلام" (13: 232) .

وقال أبو يعلى الخليلي (ت 446) في"الإرشاد" (ق 82) :"ما روي في حديث الطير ثقة. رواه الضعفاء مثل إسماعيل بن سليمان الأزرق وأشباههم، ويرده جميع أئمة الحديث".

ونقل ابن الجوزي في العلل (1: 233) عن محمد بن طاهر المقدسي (ت 507) قوله:"كل طرقه - أي حديث الطير - باطلة معلولة".

وعن الحافظ محمد بن ناصر السلامي (ت 550) "حديث موضوع، إنما جاء من سقاط أهل الكوفة عن المشاهير والمجاهيل عن أنس وغيره". المنتظم (7: 275) .

أورده ابن الجوزي (ت 597) في"العلل" (1: 233) من ست عشرة طريقاً مبيناً علة كل واحدة منها وقال:"قد ذكره ابن مردويه من نحو عشرين طريقاً كلها مظلم وفيها مطعن".

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728) :"إن حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل". منهاج السنة (4: 99) .

ويقول الحافظ الذهبي (ت 748) في"سير أعلام النبلاء" (13: 233) :"وحديث الطير على ضعفه، فله طرق جمة، وقد أفردتها في جزء ولم يثبت، ولا أنا بالمعتقد بطلانه".

وممن ضعفه وكتب في رده وتضعيفه سنداً ومتناً مجلداً كبيراً أبو بكر الباقلاني (ت 403) كما في"البداية والنهاية" (7: 354) .

ويقول الحافظ ابن كثير في"البداية والنهاية" (7: 351، 354) "وهذا الحديث قد صنف الناس فيه وله طرق متعددة، وفي كل منها نظر". ثم ذكر بعض طرقه وقال:"وفي الجملة ففي القلب من صحة هذا الحديث نظر، وإن كثرت طرقه".

ويقول كمال الدين الدميري (ت 808) في"حياة الحيوان" (2: 240) حديث الطير رواه الطبراني، وأبو يعلى، والبزار من عدة طرق كلها ضعيفة، وقد صححه الحاكم، وهو من الأحاديث المستدركة على المستدرك"."

ونقل الشوكاني في"الفوائد المجموعة" (ص 382) عن المجد محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت 817) في المختصر عن هذا الحديث قوله:"له طرق كثيرة كلها ضعيفة".

وكذا ضعفه الشيخ الألباني في تعليقه على"مشكاة المصابيح" (3: 245) تعليقاً على قول الترمذي:"هذا حديث غريب"قال:"أي ضعيف، وهو كما قال".

وممن قوى حديث الطير.

ابن شاهين (ت 385) فيما نقله عنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (12: 123) أنه أخرج الحديث من طريق صالح بن عبد الكبير، عن عبد الله بن زياد أبي العلاء، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أنس، وقال:"تفرد بهذا الحديث عبد القدوس بن محمد عن عمه صالح بن عبد الكبير، لا أعلم حدث به غيره، وهو حديث حسن".

قلت: في هذا التحسين نظر، لأن صالح بن عبد الكبير بن شعيب مجهول، لم يرد عنه غير ابن أخته عبد القدوس بن محمد كما في الميزان (2: 298) . وعبد الله بن زياد أبو العلاء قال البخاري عنه في التاريخ الكبير (5: 95) :"منكر الحديث". وعلي بن زيد هو ابن جدعان قال أحمد: ضعيف، وعن ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري وأبو حاتم: لا يحتج به. الميزان (3: 128) .

وصححه الحاكم في المستدرك على شرط الشيخين كما تقدم في الطريق السابق عن أنس، وقال:"قد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً، ثم صحت الرواية عن علي، وأبي سعيد الخدري، وسفينة". ونِعْمَ ما علق الحافظ الذهبي على قول الحاكم:"قد رواه عن أنس"بقوله:"فصلهم بثقة يصح الإسناد إليه"وعلى قوله:"ثم صحت الرواية عن عليّ"بقوله:"لا والله ما صح شيء من ذلك"انظر: البداية والنهاية (7: 35) .

ونقل الحافظ الذهبي في السير (17: 168) وتذكرة الحفاظ (3: 1042) عن أبي نعيم الحداد سمعت الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ، سمعت أبا عبد الرحمن الشاذياخي الحاكم يقول:"كنا في مجلس السيد أبي الحسن، فسئل أبو عبد الله الحاكم عن حديث الطير فقال:"لا يصح، ولو صح لما كان أحد أفضل من علي بعد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم"ثم قال الذهبي:"فهذه حكاية قوية، فما باله أخرج حديث الطير في المستدرك؟!! فكأنه اختلف اجتهاده"."

وكذا اختلف فيه قول الحافظ ابن حجر. فقال في"لسان الميزان" (3: 336) :"هو خبر منكر"وحسّنه في"الأجوبة عن أحاديث وقعت في مصابيح السنة ووصفت بالوضع"ملحقة بآخر مشكاة المصابيح (3: 313) قال:"السدي إسماعيل بن عبد الرحمن أخرج له مسلم، ووثقه جماعة منهم شعبة وسفيان ويحيى القطان". قلت: يشير إلى رواية الترمذي والنسائي في الخصائص والتي تقدمت برقم (10) وبينت هناك أن السدي وصف بالغلو في التشيع، والغالي لا تُقبل روايته فيما يقوي به بدعته ولو كان ثقة كما قرره الحافظ نفسه. فارجع إليه.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام