ويطهّرهم تطهيراً.
وغاية ذلك أن يكون دعا لهم بأن يكونوا من المتّقين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم، واجتناب الرجس واجب على المؤمنين، والطهارة مأمور بها كل مؤمن.
قال الله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 6] . وقال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم} [التوبة: 103] .
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] .
فغاية هذا أن يكون هذا دعاء لهم بفعل المأمور وترك المحظور.
والصديق رضي الله عنه قد أخبر الله عنه بأنه: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى، إِلاّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 17 - 21] .
وأيضاً فإن السابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه: {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100] لابد أن يكونوا قد فعلوا المأمور وتركوا المحظور، فإن هذا الرضوان وهذا الجزاء إنما يُنال بذلك. وحينئذ فيكون ذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم من الذنوب بعض صفاتهم. فما دعا به النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لأهل الكساء هو بعض ما وصف الله به السابقين الأوَّلين. والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم دعا لغير أهل الكساء بأن يصلّي الله عليهم، ودعا لأقوام كثيرين بالجنة والمغفرة وغير ذلك، مما هو أعظم من الدعاء بذلك، ولم يلزم أن يكون من دعا له بذلك أفضل من السابقين الأوَّلين.
ولكن أهل الكساء لما كان قد أوجب عليهم اجتناب الرجس وفعل التطهير، دعا لهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بأن يعينهم على فعل ما أمرهم به، لئلا يكونوا مستحقين للذم والعقاب، ولينالوا المدح والثواب.
الفصل الرابع عشر
الرد على من ادعى الإمام لعلي محتجاً بتقديمه الصدقة عند النجوى دون غيره
قال الرافضي:"في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: لم يعمل بهذه الآية"