معصوم مطلقاً، بل كثير من الناس إذا اختبرته تيقّنت أنه لا يكذب، وإن كان يخطئ ويذنب ذنوباً أخرى. ولا نسلّم أن كل من ليس بمعصوم يجوز أن يتعمّد الكذب.
وهذا خلاف الواقع، فإن الكذب لا يتعمّده إلا من هو من شرّ الناس. وهؤلاء الصحابة لم يكن فيهم من يتعمّد الكذب على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وأهل العلم يعلمون بالاضطرار أن مثل مالك وشُعبة ويحيى بن سعيد والثوري والشافعي وأحمد ونحوهم، لم يكونوا يتعمّدون الكذب على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، بل ولا على غيره، فكيف بابن عمر وابن عباس وأبي سعيد وغيرهم؟!.
الوجه الحادي عشر: أنه لو قُدِّر أن المراد به: المعصوم لا نسلّم الإجماع على انتفاء العصمة من غير عليّ، كما تقدم بيان ذلك؛ فإن كثيراً من الناس الذين هم خير من الرافضة يدَّعون في شيوخهم هذا المعنى، وإن غيَّروا عبارته. وأيضاً فنحن لا نسلم انتفاء عصمتهم مع ثبوت عصمته، بل إما انتفاء الجميع وإما ثبوت الجميع.
الفصل السادس والثلاثون
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بفضيلة أنه أول من صلّى وركع مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم
قال الرافضي:"البرهان السادس والثلاثون: قوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] ."
من طريق أبي نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها نزلت في رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعليّ خاصة، وهما أول من صلّى وركع [1] . وهذا يدل على فضيلته فيدل على إمامته"."
(1) قال أبو عبد الرحمن: ذكر الإمام النسائي في"خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه"ص 21 روايتين الأولى بسند ضعيف والثانية بسند صحيح، بأن أمير المؤمنين رضي الله عنه أول من صلّى من هذه الأمة:
الرواية الأولى: عن سلمة بن كهيل قال سمعت حبّة العرني: قال سمعت عليّاً كرم الله وجهه يقول: أنا أول من صلّى مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
والرواية الثانية: عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم قال: أول من صلّى مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم علي.
وعلّق محقق"الخصائص"الشيخ أحمد ميرين على الحديثين، فقال عن الحديث الأول:
إسناده ضعيف. رجاله ثقات سوى حبّة بن جُوين العرني، وثقه أحمد والعجلي، وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الذهبي: من غلاة الشيعة، وهو الذي حدّث أن عليّاً كان معه بصفين ثمانون بدرياً، وهذا محال. وقال ابن كثير: حبّة لا يساوي حبّة. وقال الحافظ ابن حجر: صدوق له أغلاط، وكان غالباً في التشيع (ت 76) ، الميزان (1/ 450) ، البداية والنهاية (7/ 334) ، التهذيب (2/ 176) .
قلت: وُصف حبّة بالغلو في التشيع، والغالي لا تُقبل روايته فيما يقوي به بدعته، كما قرره الحافظ في"نزهة النظر"ص 50، 51.
والحديث أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 21) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (12/ 65) ، وأحمد في المسند (1/ 141) ، وفي فضائل الصحابة برقم (999، 1003) ، وابن قتيبة في"المعارف"ص 169، وابن أبي عاصم في"الآحاد والمثاني"ق 15/أ وفي الأوائل (68) ، والبغوي في"معجم الصحابة" (ق 418) ، والخطيب في"تاريخ بغداد"4/ 233، والخوارزمي في"المناقب" (21) وابن عساكر في تاريخ دمشق (12: 63، 64 برقم 84) من طريق سلمة بن كهيل عن حبّة به.
وقال عن الحديث الثاني: صحيح، رجاله ثقات من رجال الشيخين سوى أبي حمزة واسمه طلحة بن يزيد فهو من رجال البخاري وحده.
وأخرجه الطيالسي في مسنده برقم (678) وأحمد في"المسند" (4: 368، 370) وفي الفضائل (1004) والبلاذري في"أنساب الأشراف" (1: 112) والقطيعي في"زوائد فضائل الصحابة"برقم (1040) وابن جرير في"التاريخ" (5: 198) والبيهقي في"السنن الكبرى" (6: 206) وابن عبد البر في الاستيعاب (3: 32) وابن المغازلي في"مناقب علي" (14) والخوارزمي في"المناقب" (20) وابن عساكر (106) من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة به مثله.
وزاد أحمد والبغوي والطبراني والبيهقي:"قال عمرو: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي، فأنكره وقال: أبو بكر أول من أسلم".