فهرس الكتاب
الصفحة 287 من 363

يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران: 133 - 136] فهؤلاء في الجنة، ولم يشترط عليهم ما ذكروه من حب علي.

وكذلك قوله تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلاّ الْمُصَلِّينَ} [المعارج: 19 - 22] إلى قوله: {أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ} [المعارج: 35] وأمثال ذلك، ولم يشترط حب علي.

وقد قَدِم على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عدة وفود، وآمنوا به، وآمن به طوائف ممن لم يره، وهم لم يسمعوا بذكر عليّ ولا عرفوه، وهم من المؤمنين المتقين المستحقين للجنة. وقد اجتمع على دعوى حبه الشيعة الرافضة والنصيرية والإسماعيلية، وجمهور هم من أهل النار بل مخلّدون في النار.

الفصل الثالث والعشرون

الرد على القول برد الشمس على عليّ

قال الرافضي:"رجوع الشمس له مرتين: إحداهما: في زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. والثانية: بعده. أما الأولى فروي جابر وأبو سعيد الخدري أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نزل عليه جبريل يوماً يناجيه من عند الله فلما تغشّاه الوحي توسّد فخذ أمير المؤمنين، فلم يرفع رأسه حتى غابت الشمس، فصلّى عليّ العصر بالإيماء، فلما استيقظ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال له: سل الله تعالى يرد عليك الشمس لتصلي العصر قائماً، فدعا، فرُدّت الشمس، فصلّى العصر قائماً."

وأما الثانية: فلما أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابهم، وصلَّى لنفسه في طائفة من أصحابه العصر، وفات كثير منهم، فتكلّموا في ذلك، فسأل الله رد الشمس فردت. ونظمه الحميري فقال:

رُدّت عليه الشمسُ لما فاتَهُ ... وقتُ الصلاةِ وقد دنت للمَغْرِب

حتى تبلّجَ نورُها في وقتِها ... للعصرِ ثم هَوَتْ هُوِيَّ الكوكب

وعليه قد رُدَّت ببابلَ مرةً ... أخرى وما رُدت لخَلْقٍ مُعْرِب

والجواب: أن يقال: فضل عليّ وولايته لله وعلو منزلته عند الله معلوم، ولله الحمد، من طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني، لا يُحتاج معها إلى كذب ولا إلى ما لا يُعلم صدقه. وحديث الشمس له قد ذكره طائفة، كالطحاوي والقاضي عياض وغيرهما، وعدُّوا ذلك من معجزات النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. لكن المحققون من أهل العلم والمعرفة بالحديث يعلمون أن هذا الحديث كذب موضوع، كما ذكره ابن الجوزي في كتاب"الموضوعات" [1] فرواه من كتاب أبي جعفر العقيلي في الضعفاء، من طريق عبيد الله بن موسى، عن فضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن بن الحسن، عن فاطمة بنت الحُسين، عن أسماء بنت عُميس، قالت: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُوحى إليه ورأسه في حجر عليّ فلم يصل العصر حتى غربت الشمس [2] ، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: صليت يا عليّ؟ قال: لا (2) ، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس. فقالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت". قال أبو الفرج [3] :"هذا حديث موضوع بلا شك، وقد اضطرب الرواة فيه، فرواه سعيد بن مسعود، عن عبيد الله بن موسى، عن فضيل بن مرزوق، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن عليّ بن الحسين [4] ، عن فاطمة بنت علي [5] ، عن أسماء". قال [6] :"وفضيل بن مرزوق ضعّفه يحيى، وقال أبو حاتم بن حبّان: يروي الموضوعات ويخطئ على الثقات [7] . قال أبو الفرج:"وهذا الحديث مداره"

(1) الموضوعات 1/ 355 - 357.

(2) ما بين النجمتين ساقط من"الموضوعات"وموجود في"تنزيه الشريعة"،"اللآلئ المصنوعة"،"الفوائد المجموعة".

(3) ص 356.

(4) الموضوعات: عن علي بن الحسن.

(5) ترجمة فاطمة بنت علي بن أبي طالب في تهذيب التهذيب 12/ 443، الأعلام 5/ 328.

(6) أي ابن الجوزي بعد ثلاثة أسطر.

(7) هذه العبارات ساقطة من"الموضوعات".

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام