معلوم، ولا قائله ممن يوثق به. ويقال: ليس كل من لم يكفر، أو من لم يأت بكبيرة، أفضل ممن تاب عنها مطلقاً. بل قد يكون التائب من الكفر والفسوق أفضل ممن لم يكفر ولم يفسق، كما دل على ذلك الكتاب العزيز؛ فإن الله فضَّل الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا على الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا. وأولئك كلهم أسلموا بعد الكفر. وهؤلاء فيهم من ولد على الإسلام. وفضَّل السابقين الأوَّلين على التابعين لهم بإحسان، وأولئك آمنوا بعد الكفر، وأكثر التابعين ولدوا على الإسلام.
وقد ذكر الله في القرآن أن لوطاً آمن لإبراهيم، وبعثه الله نبياً. وقال شعيب: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} [الأعراف: 89] .
وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [إبراهيم: 13] .
وقد أخبر الله عن إخوة يوسف بما أخبر، ثم نبأهم بعد توبتهم، وهم الأسباط الذين أمرنا أن نؤمن بما أوتوا في سورة البقرة وآل عمران والنساء.
وإذا كان في هؤلاء من صار نبيّاً، فمعلوم أن الأنبياء أفضل من غيرهم. وهذا مما تُنازع فيه الرافضة وغيرهم، ويقولون: من صدر منه ذنب لا يصير نبيّاً. والنّزاع فيمن أسلم أعظم، لكن الاعتبار بما دلّ عليه الكتاب والسنة. والذين منعوا من هذا عمدتهم أن التائب من الذنب يكون ناقصاً مذموماً لا يستحق النبوة، ولو صار من أعظم الناس طاعةً. وهذا هو الأصل الذي نُوزعوا فيه، والكتاب والسنة والإجماع يدل على بطلان قولهم فيه.
الفصل الثاني عشر
الرّدّ على من ادّعى الإمامة لعلي بقوله إن الله خصّه بالود دون سائر الصحابة
قال الرافضي:"البرهان الثاني عشر: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96] روى الحافظ أبو نُعيم الأصبهاني بإسناده إلى ابن عباس، قال: نزلت في عليّ. والوُدُّ محبة في القلوب المؤمنة. وفي تفسير الثعلبي عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لعليّ: يا عليّ قل: اللهم اجعل لي عندك عهداً،"