العدل.
وقد وضع الناس أحاديث كثيرة مكذوبة على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: في الأصول، والأحكام، والزهد، والفضائل، ووضعوا كثيراً من فضائل الخلفاء الأربعة، وفضائل معاوية.
ومن الناس من يكون قصده رواية ما رُوي في الباب، من غير تمييز بين صحيح وضعيف، كما فعله أبو نُعيم في فضائل الخلفاء وكذلك غيره ممن صنَّف في الفضائل، ومثل ما جمعه أبو الفتح بن أبي الفوارس، وأبو علي الأهوازي وغيرهما في فضائل معاوية، ومثل ما جمعه النسائي في فضائل عليّ، وكذلك ما جمعه أبو القاسم بن عساكر في فضائل عليّ وغيره، فإن هؤلاء وأمثالهم قصدوا أن يرووا ما سمعوا من غير تمييز بين صحيح ذلك وضعيفه، فلا يجوز أن يُجزم بصدق الخبر بمجرد رواية الواحد من هؤلاء باتفاق أهل العلم.
وأما من يذكر الحديث بلا إسناد من المصنّفين في الأصول والفقه والزهد والرقائق، فهؤلاء يذكرون أحاديث كثيرة صحيحة، ويذكر بعضهم أحاديث كثيرة ضعيفة وموضوعة، كما يوجد ذلك في كتب الرقائق والرأي وغير ذلك.
الفصل الثاني
بيان أن إمامة عليّ لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه صلَّى الله عليه وسلَّم
قال الرافضي: الثاني: الخبر المتواتر عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: أنه لَمّا نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة: 67] خطب الناس في غدير خُم وقال للجمع كله: يا أيها الناس ألست أولى منكم بأنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله. فقال عمر: بخٍ بخٍ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. والمراد بالمولى هنا الأولى بالتصرف لتقدم التقرير منه صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: ألست أولى منكم بأنفسكم؟.
والجواب عن هذه الآية والحديث المذكور قد تقدم، وبيَّنّا أن هذا كذب، وأن قوله: {بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة: 67] نزل قبل حجة الوداع بمدة طويلة.
ويوم الغدير إنما كان ثامن عشر ذي الحجة بعد رجوعه من الحج، وعاش بعد ذلك شهرين وبعض الثالث. ومما يبين ذلك أن آخر المائدة نزولاً قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ