قيل له: مجرد رواية هؤلاء لا توجب ثبوت الحديث باتفاق أهل العلم بالحديث، فإن في كتب هؤلاء من الأحاديث الموضوعة ما اتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع، وفيها شيء كثير يُعلم بالأدلة اليقينية السمعية والعقلية أنها كذب، بل فيها ما يُعلم بالاضطرار أنه كذب. والثعلبي وأمثاله لا يتعمدون الكذب، بل فيهم من الصلاح والدين ما يمنعهم من ذلك، لكن ينقلون ما وجدوه في الكتب، ويروون ما سمعوه، وليس لأحدهم من الخبرة بالأسانيد ما لأئمة الحديث، كشعبة، ويحيى بن سعيد القطَّان، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وإسحاق، ومحمد بن يحيى الذهلي، والبخاري، ومسلم، وأبي داود، والنسائي، وأبي حاتم، وأبي زرعة الرازيين، وأبي عبد الله بن منده، والدارقطني، وأمثال هؤلاء من أئمة الحديث ونقاده وحكامه وحفاظه الذين لهم خبرة ومعرفة تامة بأحوال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأحوال من نقل العلم والحديث عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم من نقلة العلم.
وقد صنَّفوا الكتب الكثيرة في معرفة الرجال الذين نقلوا الآثار وأسماءهم، وذكروا أخبارهم وأخبار من أخذوا عنه، ومن أخذ عنهم، مثل كتاب"العلل وأسماء الرجال"عن يحيى القطَّان، وابن المديني، وأحمد، وابن معين والبخاري، ومسلم، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والترمذي، وأحمد بن عدي، وابن حبان، وأبي الفتح الأزدي، والدارقطني وغيرهم.
وتفسير الثعلبي فيه أحاديث موضوعة وأحاديث صحيحة، ومن الموضوع فيه من الأحاديث التي في فضائل السور: سورة سورة.
وقد ذكر هذا الحديث الزمخشري والواحدي [1] ، وهو كذب موضوع باتفاق أهل الحديث. وكذلك غير هذا.
وكذلك الواحدي تلميذ الثعلبي. والبغوي اختصر تفسيره من تفسير الثعلبي والواحدي، لكنهما أخبر بأقوال المفسرين منه، والواحدي أعلم بالعربية من هذا وهذا، والبغوي أتبع للسنة منهما.
وليس كون الرجل من الجمهور الذين يعتقدون خلافة الثلاثة يُوجب له أن كل ما رواه صدق، كما أن كونه من الشيعة لا يوجب أن يكون كل ما رواه كذباً، بل الاعتبار بميزان
(1) ذكر الزمخشري هذا الحديث بمعناه مختصراً في تفسير"الكشاف"3/ 131 (ط. مصطفى الحلبي 1385/ 1966) عند تفسير قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} (الشعراء: 214) .