فهرس الكتاب
الصفحة 102 من 363

الفصل السابع عشر

الرد على من يثبت لعلي الإمامة بدعوى أنه خصّ

بفضيلة الإيمان والهجرة والجهاد دون غيره

قال الرافضي:"البرهان السابع عشر: قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ} الآيات [التوبة: 20] ."

روى رزين بن معاوية في"الجمع بين الصحاح الستة"أنها نزلت في عليّ لما افتخر طلحة بن شيبة والعباس. وهذه لم تثبت لغيره من الصحابة، فيكون أفضل، فيكون هو الإمام"."

والجواب من وجوه:

أحدها: المطالبة بصحة النقل. ورزين [1] قد ذكر في كتابه أشياء ليست في الصحاح.

الثاني: أن الذي في الصحيح ليس كما ذكره عن رزين، بل الذي في الصحيح ما رواه النعمان بن بشير، قال: كنت عند منبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال رجل: لا أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: لا أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمّر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم: فزجرهم عمر، وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو يوم الجمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. فأنزل الله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية إلى آخرها [التوبة: 19] أخرجه مسلم [2] .

وهذا الحديث يقتضي أن قول عليّ الذي فضَّل به الجهاد على السدانة والسقاية أصح من قول من فضّل السدانة والسقاية، وأن عليّاً كان أعلم بالحق في هذه المسألة ممن نازعه فيها. وهذا صحيح.

وعمر قد وافق ربّه في عدة أمور، يقول شيئاً وينزل القرآن بموافقته. قال للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلّى، فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}

(1) أبو الحسن رزين بن معاوية بن عمار العبدري السرقسطي الأندلسي، توفي سنة 535 وكان من المحدثين ومن تصانيفه"التجريد للصحاح الستة". وانظر ترجمته في: شذرات الذهب (4/ 106) ، روضات الجنات (ص 286) ، معجم المؤلفين (4/ 155 - 156) ، الأعلام (3/ 46) .

(2) الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنه في: مسلم 3/ 1449 (كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى) ، المسند (ط. الحلبي) 4/ 269. وانظر تفسير الطبري (ط. المعارف) 14/ 25، 26.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام