فهرس الكتاب
الصفحة 101 من 363

الرابع: قوله:"وهذه الفضيلة لم تثبت لغيره من الصحابة"ممنوع؛ فإن الناس متنازعون في أول من أسلم، فقيل: أبو بكر أول من أسلم، فهو أسبق إسلاماً من عليّ. وقيل: إن عليّاً أسلم قبله. لكن عليّ كان صغيراً، وإسلام الصبي فيه نزاع بين العلماء ولا نزاع في أن إسلام أبي بكر أكمل وأنفع، فيكون هو أكمل سبقاً بالاتفاق، وأسبق على الإطلاق على القول الآخر. فكيف يُقال: عليٌّ أسبق منه بلا حجة تدل على ذلك.

الخامس: أن هذه الآية فضّلت السابقين الأوّلين، ولم تدل على أن كل من كان أسبق إلى الإسلام كان أفضل من غيره. وإنما يدل على أن السابقين أفضل قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10] ، فالذين سبقوا إلى الإنفاق والقتال قبل الحديبية، أفضل ممن بعدهم، فإن الفتح فسَّره النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالحديبية.

وإذا كان أولئك السابقون قد سبق بعضهم بعضاً إلى الإسلام، فليس في الآيتين ما يقتضي أن يكون أفضل مطلقاً، بل قد يسبق إلى الإسلام من سبقه غيره إلى الإنفاق والقتال.

ولهذا كان عمر رضي الله عنه ممن أسلم بعد تسعة وثلاثين، وهو أفضل من أكثرهم بالنصوص الصحيحة، وبإجماع الصحابة والتابعين، وما علمت أحداً قط قال: إن الزبير ونحوه أفضل من عمر، والزبير أسلم قبل عمر. ولا قال من يعرف من أهل العلم: إن عثمان أفضل من عمر، وعثمان أسلم قبل عمر.

وإن كان الفضل بالسبق إلى الإنفاق والقتال، فمعلوم أن أبا بكر أخصّ بهذا، فإنه لم يجاهد قبله أحدٌ: لا بيده ولا بلسانه، بل هو من حين آمن بالرسول ينفق ماله ويجاهد بحسب الإمكان، فاشترى من المعذّبين في الله غير واحد، وكان يجاهد مع الرسول قبل الأمر بالقتال وبعد الأمر بالقتال. كما قال تعالى: {وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52] . فكان أبو بكر أسبق الناس وأكملهم في أنواع الجهاد بالنفس والمال.

ولهذا قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الصحيح:"إنّ أمنّ الناس عليّ في صحبته وذات يده أبو بكر". والصحبة بالنفس وذات اليد هو المال، فأخبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه أمنّ الناس عليه في النفس والمال.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام