يُحصى من شهدها معه، وكان قد أسلم على عهده أضعاف من رآه وكان من أصحابه، وأيده الله بهم في حياته باليمن وغيرها. وكل هؤلاء من المؤمنين الذين أيّده الله بهم، بل كل من آمن وجاهد إلى يوم القيامة دخل في هذا المعنى.
الفصل الرابع والعشرون
الرد على من ادّعى الإمامة لعلي بقوله إنه اختص بفضيلة متابعة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم دون غيره
قال الرافضي:"البرهان الرابع والعشرون: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] ."
من طريق أبي نعيم قال: نزلت في عليّ. وهذه فضيلة لم تحصل لأحدٍ من الصحابة غيره، فيكون هو الإمام"."
والجواب من وجوه: أحدها: منع الصحة.
الثاني: أن هذا القول ليس بحجة.
الثالث: أن يُقال: هذا الكلام من أعظم الفرية على الله ورسوله.
وذلك أن قوله: {حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] معناه: أن الله حسبك وحسب من اتّبعك من المؤمنين، فهو وحده كافيك وكافي من معك من المؤمنين. وهذا كما تقول العرب: حسبك وزيداً درهم.
ومنه قول الشاعر:
فحسبك والضحاك سيف مهند
وذلك أن"حسب"مصدر، فلما أضيف لم يحسن العطف عليه إلا بإعادة الجارّ، فإن العطف بدون ذلك، وإن كان جائزاً في أصح القولين فهو قليل، وإعادة الجارّ أحسن وأفصح، فعطف على المعنى، والمضاف إليه في معنى المنصوب، فإن قوله:"فحسبك والضحّاك"معناه: يكفيك والضّحّاك.
والمصدر يعمل عمل الفعل، لكن إذا أضيف عَمِل في غير المضاف إليه، ولهذا إن أضيف إلى الفاعل نَصَب المفعول، وإن أضيف إلى المفعول رَفَع الفاعل، فتقول: أعجبني دقّ القصّار الثوب، وهذا وجه الكلام. وتقول: أعجبني دقّ الثوب القصّار.
ومن النحاة من يقول: إعماله منكراً أحسن من أعماله مضافاً، لأنه بالإضافة قَوِيَ شبهُه بالأسماء. والصواب أن إضافته إلى أحدهما وإعماله في الآخر أحسن من تنكيره وإعماله فيهما. فقول القائل: أعجبني دقّ القصّار الثوب، أحسن من قوله: دقّ الثوب القصّار، فإن التنكير أيضاً من خصائص الأسماء، والإضافة أخف، لأنه اسم، والأصل فيه أن يُضاف ولا يعمل، لكن لما تعذّرت إضافته إلى الفاعل والمفعول جميعاً، أضيف إلى أحدهما، وأعمل في الآخر.
وهكذا في المعطوفات: إن أمكن إضافتها إليها كلها، كالمضاف إلى الظاهر، فهو أحسن. كقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:"إن الله حرَّم بيع الخمر والميتة والدم والخنزير والأصنام" [1] .
وكقولهم: نُهي عن بيع الملاقيح والمضامين وحبل الحبلة.
وإن تعذر لم يحسن ذلك، كقولك: حسبك وزيداً درهم، عطفا على المعنى.
ومما يشبه هذا قوله: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} [الأنعام: 96] ، نصب هذا على محل الليل المجرور، فإن اسم الفاعل كالمصدر، ويُضاف تارة ويعمل تارة أخرى [2] .
وقد ظن بعض الغالطين أن معنى الآية: أن الله والمؤمنين حسبك، ويكون {مَنِ اتَّبَعَكَ} رفعاً عطفاً على الله، وهذا خطأ قبيح مستلزم للكفر؛ فإن الله وحده حسب جميع الخلق.
كما قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] ، أي: الله وحده كافينا كلنا.
(1) هذا جزء من حديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في: البخاري 3/ 84 (كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام) وأوله:"إن الله ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام .. الحديث، وهو في: مسلم 3/ 1207 (كتاب المساقاة، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) ، سنن ابن ماجه 2/ 732 (كتاب التجارات، باب ما لا يحل بيعه) ، المسند (ط. الحلبي) 3/ 324، 326."
(2) في تفسير الطبري 11/ 556 - 557:"وأما قوله:"وجَاعِلُ الليلَ سكناً"، فإن القراء اختلفت في قراءته. فقرأ ذلك عامة قراء أهل الحجاز والمدينة وبعض البصريين:"وجَاعِلُ الليل"بالألف على لفظ الاسم، ورفعه عطفاً على"فالقُ"، وخفض"الليل"بإضافة"جاعل"إليه، ونصب"الشمس والقمر"، عطفاً على موضع"الليل"، لأن"الليل"وإن كان مخفوضاً في اللفظ، فإنه في موضع النصب لأنه مفعول"جاعل". وحسُن عطف ذلك على معنى"الليل"لا على لفظة، لدخول قول:"سكناً"بينه وبين"الليل".... وقرأ ذلك عامة قراءة الكوفيين:"وجَعَلَ الليلَ سكناً والشمسَ"، على"فَعَلَ"، بمعنى الفعل الماضي، ونصب"الليل"."