بسنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأحواله أعلم كان بهذا أعرف، وإنما يستريب فيه من لا يعرف الأحاديث الصحيحة من الضعيفة؛ فإما أن يصدق الكل أو يتوقف في الكل.
وأما أهل العلم بالحديث الفقهاء فيه يعلمون هذا علماً ضرورياً. دع هذا، فلا ريب أن كل من له في الأمة لسان صدق من علمائها وعبَّادها متفقون على تقديم أبي بكر وعمر، كما قال الشافعي رضي الله عنه فيما نقله عنه البيهقي بإسناده قال:"لم يختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وتقديمهما على جميع الصحابة".
وكذلك أيضاً لم يختلف علماء الإسلام في ذلك، كما هو قول مالك وأصحابه، وأبي حنيفة وأصحابه، وأحمد وأصحابه، وداود وأصحابه، والثوري وأصحابه، والليث وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، وإسحاق وأصحابه، وابن جرير وأصحابه، وأبي ثور وأصحابه، وكما هو قول سائر العلماء المشهورين، إلا من لا يؤبه له ولا يلتفت إليه.
وما علمت من نقل عنه في ذلك نزاع من أهل الفُتيا، إلا ما نقل عن الحسن بن صالح بن حيّ أنه كان يفضّل عليّاً. وقيل: إن هذا كذب عليه. ولو صح هذا عنه لم يقدح فيما نقله الشافعي من الإجماع؛ فإن الحسن بن صالح لم يكن من التابعين ولا من الصحابة. والشافعي ذكر إجماع الصحابة والتابعين على تقديم أبي بكر، ولو قاله الحسن، فإذا أخطأ واحد من مائة ألف إمام أو أكثر، لم يكن ذلك بمنكر.
وليس في شيوخ الرافضة إمام في شيء من علوم الإسلام، لا علم الحديث ولا الفقه ولا التفسير ولا القرآن، بل شيوخ الرافضة إما جاهل وإما زنديق، كشيوخ أهل الكتاب.
بل السابقون الأوَّلون وأئمة السنة والحديث متفقون على تقديم عثمان، ومع هذا إنهم لم يجتمعوا على ذلك رغبة ولا رهبة، بل مع تباين آرائهم وأهوائهم وعلومهم، واختلافهم وكثرة اختلافاتهم فيما سوى ذلك من مسائل العلم، فأئمة الصحابة والتابعين رضي الله عنهم متفقون على هذا، ثم من بعدهم، كمالك بن أنس، وابن أبي ذئب، وعبد العزيز بن الماجشون، وغيرهم من علماء المدينة.
ومالك يحكي الإجماع عمّن لقيه أنهم لم يختلفوا في تقديم أبي بكر وعمر. وابن جريج وابن عيينة وسعد بن سالم ومسلم بن خالد، وغيرهم من علماء مكة، وأبي حنيفة والثوري وشريك بن عبد الله وابن أبي ليلى، وغيرهم من فقهاء الكوفة، وهي دار الشيعة، حتى كان الثوري يقول: من قدَّم عليّاً على أبي بكر ما أرى أن يصعد له إلى الله عمل. رواه أبو داود في سننه [1] .
وحماد بن زيد وحمّاد بن سلمة وسعيد بن أبي عروبة، وأمثالهم من علماء البصرة، والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز، وغيرهم من علماء الشام، والليث وعمرو بن الحارث وابن وهب، وغيرهم من علماء مصر، ثم مثل عبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، ومثل الشافعي وابن حنبل وإسحاق بن إبراهيم وأبي عبيد، ومثل البخاري وأبي داود وإبراهيم الحربي، ومثل الفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والسري السقطي والجنيد وسهل بن عبد الله التستري.
ومن لا يحصي عدده إلا الله، ممن له في الإسلام لسان صدق، كلهم يجزمون بتقديم أبي بكر وعمر، كما يجزمون بإمامتهما، مع فرط اجتهادهم في متابعة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وموالاته. فهل يوجب هذا إلا ما علموه من تقديمه هو لأبي بكر وعمر، وتفضيله لهما بالمحبة والثناء والمشاورة وغير ذلك من أسباب التفضيل.
الفصل التاسع والثلاثون
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بأنه أمير على ذرية آدم كلهم
قال الرافضي:"البرهان التاسع والثلاثون: قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] ."
في كتاب"الفردوس" [2] لابن شيرويه يرفعه عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: لو يعلم الناس متى سُمّي عليُّ أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سُمِّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد. قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] قالت الملائكة: بلى، فقال تبارك
(1) الأثر في: سنن أبي داود 4/ 288 (كتاب السنة، باب في التفضيل) ونصه:"من زعم أن عليّاً عليه السلام كان أحق بالولاية منهما فقد خَطّأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار، وما أراه يرتفع له مع هذا عمل إلى السماء".
(2) ج 3 ص 354 رقم 5066. (م) .