بهؤلاء، كتأييده بأبي بكر وعمر، لكان يُسأل عنهم كما يُسأل عن هؤلاء، فإن المقتضى للسؤال قائم، والمانع منتفٍ، ومع وجود القدرة والداعي وانتفاء الصارف يجب معه وجود الفعل.
الوجه الخامس: أنه لم يكن لعليّ في الإسلام أثر حسن، إلا ولغيره من الصحابة مثله، ولبعضهم آثار أعظم من آثاره. وهذا معلوم لمن عرف السيرة الصحيحة الثابتة بالنقل. وأما من يأخذ بنقل الكذَّابين وأحاديث الطرقيّة، فباب الكذب مفتوح، وهذا الكذب يتعلق بالكذب على الله، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ} [العنكبوت: 68] .
ومجموع المغازي التي كان فيها القتال مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم تسع مغازٍ، والمغازي كلها بضع وعشرون غزاة، وأما السرايا فقد قيل: إنها تبلغ سبعين [1] .
ومجموع من قُتل من الكفّار في غزوات النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يبلغون ألفاً أو أكثر أو أقل، ولم يقتل عليٌّ منهم عُشرهم ولا نصف عُشرهم، وأكثر السرايا لم يكن يخرج فيها. وأما بعد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فلم يشهد شيئاً من الفتوحات: لا هو، ولا طلحة، ولا الزبير، إلا أن يخرجوا مع عمر حين خرج إلى الشام. وأما الزبير فقد شهد فتح مصر، وسعد شهد فتح القادسية، وأبو عبيدة فتح الشام.
فكيف يكون تأييد الرسول بواحدٍ من أصحابه دون سائرهم والحال هذه؟ وأين تأييده بالمؤمنين كلهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين بايعوه تحت الشجرة والتابعين لهم بإحسان؟
وقد كان المسلمون يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر، ويوم أحد نحو سبعمائة، ويوم الخندق أكثر من ألف أو قريباً من ذلك، ويوم بيعة الرضوان ألفاً وأربعمائة، وهم الذين شهدوا فتح خيبر، ويوم فتح مكة كانوا عشرة آلاف، ويوم حنين كانوا اثنى عشر ألفاً، تلك العشرة، والطلقاء ألفان.
وأما تبوك فلا يُحصى من شهدها، بل كانوا أكثر من ثلاثين ألفاً. وأما حجة الوداع فلا
(1) انظر عن عدد غزوات الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وسراياه وبعثوه: زاد المعاد (1/ 129 - 130) ، جوامع السيرة (ص 16 - 21) ، صحيح مسلم 3/ 1447 - 1448 (كتاب الجهاد والسيرة، باب عدد غزوات النبي صلَّى الله عليه وسلَّم) .