فهرس الكتاب
الصفحة 126 من 363

قيام دينه بمجرد موافقة عليّ، فإن عليّاً كان من أول من أسلم، فكان الإسلام ضعيفاً، فلولا أن الله هدى من هداه إلى الإيمان والهجرة والنصرة، لم يحصل بعليّ وحده شيء من التأييد، ولم يكن إيمان الناس ولا هجرتهم ولا نصرتهم على يد عليّ، ولم يكن عليّ منتصباً لا بمكة ولا بالمدينة للدعوة إلى الإيمان، كما كان أبو بكر منتصباً لذلك، ولم يُنقل أنه أسلم على يد عليّ أحدٌ من السابقين الأوَّلين، لا من المهاجرين ولا الأنصار، بل لا نعرف أنه أسلم على يد عليٍّ أحدٌ من الصحابة، لكن لَمّا بعثه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلى اليمن قد يكون أسلم على يديه من أسلم، إن كان وقع ذلك، وليس أولئك من الصحابة، وإنما أسلم أكابر الصحابة على يد أبي بكر، ولا كان يدعو المشركين ويناظرهم، كما كان أبو بكر يدعوهم ويناظرهم، ولا كان المشركون يخافونه، كما يخافون أبا بكر وعمر.

بل قد ثبت في الصحاح والمساند والمغازي، واتفق عليه الناس، أنه لما كان يوم أحد وانهزم المسلمون، صعد أبو سفيان على الجبل وقال: أفي القوم محمد؟ أفي القوم محمد؟ فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:"لا تجيبوه". فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن أبي قحافة؟ فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:"لا تجيبوه"فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:"لا تجيبوه". فقال لأصحابه: أما هؤلاء فقد كفيتموهم. فلم يملك عمر رضي الله عنه نفسه أن قال: كذبت يا عدو الله، إن الذي عددت لأحياء، وقد بقي لك ما يسوؤك. فقال: يوم بيوم بدر. فقال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. ثم أخذ أبو سفيان يرتجز ويقول: أعل هبل ... أعل هبل

فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:"ألا تجيبوه"؟ فقالوا: وما نقول؟ قال:"قولوا: الله أعلى وأجل". فقال: إن لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم. فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:"ألا تجيبوه"فقالوا: وما نقول؟ قال:"قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم". فقال: ستجدون في القوم مُثْلَةً لم آمر بها ولم تسؤني" [1] ."

فهذا جش المشركين إذ ذاك لا يسأل إلا على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر وعمر، فلو كان القوم خائفين من عليّ أو عثمان أو طلحة أو الزبير أو نحوهم، أو كان للرسول تأييد

(1) الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه في: البخاري 4/ 65 - 66 (كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب) ، 5/ 94 (كتاب المغازي، باب غزوة أحد) ، المسند (ط. الحلبي) 4/ 293، ولم أجد الحديث في مسلم. وانظر: جامع الأصول لابن الأثير (9/ 176 - 178) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام