فهرس الكتاب
الصفحة 125 من 363

فليس حجة بالاتفاق. وأبو نُعيم له كتاب مشهور في"فضائل الصحابة" [1] ، وقد ذكر قطعة من الفضائل في أول"الحلية"، فإن كانوا يحتجّون بما رواه، فقد روى في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان ما ينقض بنيانهم ويهدم أركانهم، وإن كانوا لا يحتجون بما رواه فلا يعتمدون على نقله، ونحن نرجع فيما رواه - هو وغيره - إلى أهل العلم بهذا الفن، والطرق التي بها يُعلم صدق الحديث وكذبه، من النظر في إسناده ورجاله، وهل هم ثقات سمع بعضهم من بعض أم لا؟ وننظر إلى شواهد الحديث وما يدل عليه على أحد الأمرين، لا فرق عندنا بين ما يُروى في فضائل عليّ أو فضائل غيره، فما ثبت أنه صدق صدَّقناه، وما كان كذباً كذَّبناه.

فنحن نجيء بالصدق ونصدِّق به، لا نكذب، ولا نكذِّب صادقاً. وهذا معروف عند أئمة السنة. وأما من افترى على الله كذباً أو كذّب بالحق، فعلينا أن نكذبه في كذبه وتكذيبه للحق، كأتباع مسيلمة الكذّاب، والمكذبين بالحق الذي جاء به الرسول واتّبعه عليه المؤمنون به؛ صدِّيقه الأكبر وسائر المؤمنين.

ولهذا نقول في الوجه الثاني: إن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث. وهذا الحديث - وأمثاله - مما جزمنا أنه كذب موضوع نشهد أنه كذب موضوع، فنحن - والله الذي لا إله إلا هو - نعلم علماً ضرورياً في قلوبنا، لا سبيل لنا إلى دفعه، أن هذا الحديث كذب ما حدَّث به أبو هريرة، وهكذا نظائره مما نقول فيه مثل ذلك.

وكل من كان عارفاً بعلم الحديث وبدين الإسلام يعرف، وكل من لم يكن له بذلك علم لا يدخل معنا، كما أن أهل الخبرة بالصرف يحلفون على ما يعلمون أنه مغشوش، وإن كان من لا خبرة له لا يميّز بين المغشوش والصحيح.

الثالث: أن الله تعالى قال: {هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال: 62، 63] وهذا نص في أن المؤمنين عدد مؤلف بين قلوبهم، وعليّ واحد منهم ليس له قلوب يؤلف بينها. والمؤمنون صيغة جمع، فهذا نص صريح لا يحتمل أنه أراد به واحداً معيّناً، وكيف يجوز أن يُقال: المراد بهذا عليٌّ وحده؟.

الوجه الرابع: أن يُقال: من المعلوم بالضرورة والتواتر أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ما كان

(1) قال أبو عبد الرحمن: وله أيضاً"معرفة الصحابة"وقد طبع في ثلاثة مجلدات بتحقيق الدكتور محمد راضي بن حاج عثمان، طبع مكتبة الدار بالمدينة المنورة 1408 ه‍.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام