فهرس الكتاب
الصفحة 59 من 363

يلزم أن لا يوجد مؤمن مذنب، فإن هذا لو كان واقعاً لما عُذِّب مؤمن، لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل يغفر الله لهذا بالتوبة، ولهذا بالحسنات الماحية، ويغفر الله لهذا ذنوباً كثيرة، وإن واحدة بأخرى.

وبالجملة فالتطهير الذي أراده الله، والذي دعا به النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ليس هو العصمة بالاتفاق، فإن أهل السنة عنهم لا معصوم إلا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. والشيعة يقولون: لا معصوم غير النبي صلَّى الله عليه وسلَّم والإمام. فقد وقع الاتفاق على انتفاء العصمة المختصة بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم والإمام عن أزواجه وبناته وغيرهن من النساء.

وإذا كان كذلك امتنع أن يكون التطهير المدعو به للأربعة متضمناً للعصمة التي يختص بها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم والإمام عندهم، فلا يكون من دعاء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم له بهذه العصمة: لا لعليّ ولا لغيره، فإنه دعا بالطهارة لأربعة مشتركين لم يختص بعضهم بدعوة.

وأيضاً فالدعاء بالعصمة من الذنوب ممتنع على أصل القدرية، بل وبالتطهير أيضاً؛ فإن الأفعال الاختيارية - التي هي فعل الواجبات وترك المحرمات - عندهم غير مقدورة للرب، ولا يمكنه أن يجعل العبد مطيعاً ولا عاصياً، ولا متطهراً من الذنوب ولا غير متطهر، فامتنع على أصلهم أن يدعو لأحد بأن يجعله فاعلاً للواجبات تاركاً للمحرمات، وإنما المقدور عندهم قدرة تصلح للخير والشر، كالسيف الذي يصلح لقتل المسلم والكافر، والمال الذي يمكن إنفاقه في الطاعة والمعصية، ثم العبد يفعل باختياره: إما الخير وإما الشر بتلك القدرة.

وهذا الأصل يبطل حجتهم. والحديث حجة عليهم في إبطال هذا الأصل، حيث دعا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لهم بالتطهير.

فإن قالوا: المراد بذلك أنه يغفر لهم ولا يؤاخذهم.

كان ذلك أدل على البطلان من دلالته على العصمة.

فتبين أن الحديث لا حجة لهم فيه بحال على ثبوت العصمة.

والعصمة مطلقاً - التي هي فعل المأمور وترك المحظور - ليست مقدوره عندهم لله، ولا يمكنه أن يجعل أحداً فاعلاً لطاعة ولا تاركاً لمعصية، لا لنبي ولا لغيره، فيمتنع عندهم أن من يعلم أنه إذا عاش يطيعه باختيار نفسه لا بإعانة الله وهدايته.

وهذا مما يبين تناقض قولهم في مسائل العصمة كما تقدم. ولو قُدِّر ثبوت العصمة فقد قدّمنا أنه لا يُشترط في الإمام العصمة ولا إجماع على انتفاء العصمة في غيرهم، وحينئذ فتبطل

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام