حجتهم بكل طريق.
وأما قوله:"إن علياً ادّعاها، وقد ثبت نفي الرجس عنه فيكون صادقاً".
فجوابه من وجوه: أحدها: أنّا لا نسلم أن عليّاً ادّعاها، بل نحن نعلم بالضرورة علماً متيقناً أن عليّاً ما ادّعاها قط حتى قُتل عثمان، وإن كان قد يميل بقلبه إلى أن يُوَلّى، لكن ما قال: إني أنا الإمام، ولا: إني معصوم، ولا: إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جعلني الإمام بعده، ولا إني أوجب على الناس متابعتي، ولا نحو هذه الألفاظ.
بل نحن نعلم بالاضطرار أن من نقل هذا ونحوه عنه فهو كاذب عليه. ونحن نعلم أن عليّاً كان أتقى لله من أن يدَّعي الكذب الظاهر، الذي تعلم الصحابة كلهم أنه كذب.
وأما نقل الناقل عنه أنه قال:"لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى".
فنقول: أولاً: أين إسناد هذا النقل، بحيث ينقله ثقة عن ثقة متصلاً إليه؟ وهذا لا يوجد قط، وإنما يُوجد مثل هذا في كتاب"نهج البلاغة"وأمثاله، وأهل العلم يعلمون أن أكثر خطب هذا الكتاب مفتراة على عليّ، ولهذا لا يوجد غالبها في كتاب متقدّم، ولا لها إسناد معروف. فهذا الذي نقلها من أين نقلها؟.
ولكن هذه الخطب بمنزلة من يدّعي أنه علويّ أو عباسيّ، ولا نعلم أحداً من سلفه ادّعى ذلك قط، ولا ادعى ذلك له، فيعلم كذبه.
فإن النسب يكون معروفاً من أصله حتى يتصل بفرعه، وكذلك المنقولات لابد أن تكون ثابتة معروفة عمن نقل عنه حتى تتصل بنا فإذا صنَّف واحد كتاباً ذكر فيه خطباً كثيرة للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، ولم يرو أحد منهم تلك الخطب قبله بإسناد معروف، علمنا قطعاً أن ذلك كذب. وفي هذه الخطب أمور كثيرة قد علمنا يقيناً من عليّ ما يناقضها.
ونحن في هذا المقام ليس علينا أن نبيّن أن هذا كذب، بل يكفينا المطالبة بصحة النقل، فإن الله لم يوجب على الخلق أن يصدّقوا بما لم يقم دليل على صدقه، بل هذا ممتنع بالاتفاق، لا سيما على القول بامتناع تكليف ما لا يطاق؛ فإن هذا من أعظم تكليف ما لا يطاق، فكيف يمكن الإنسان أن يثبت ادعاء عليّ للخلافة بمثل حكاية ذكرت عنه في أثناء المائة الرابعة، لما كثر الكذّابون عليه، وصار لهم دولة تقبل منهم ما يقولون، سواء كان صدقاً أو كذباً، وليس