فهرس الكتاب
الصفحة 279 من 363

ففي الصحيحين [1] - وهذا لفظ البخاري [2] - عن عمرو بن ميمون في مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فلما فُرِعَ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم. قال [3] الزبير: قد جعلت أمري إلى عليّ. وقال [4] طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان. وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن [5] . فقال عبد الرحمن: أيكم تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه؟

فأُسْكِت الشيخان. فقال عبد الرحمن: أتجعلونه إليَّ والله عليَّ أن لا آلو عن أفضلكم. قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليكم لئن أمَّرتك لتعدلن ولئن أمَّرت عليك لتسمعن ولتطيعن. ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان" [6] ."

وفي حديث المسور بن مخرمة قال المسور:"إن الرهط الذين ولاّهم عمر اجتمعوا فتشاوروا. قال لهم عبد الرحمن: لست بالذي أتكلم في هذا الأمر [7] ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، فلما ولَّوا عبد الرحمن أمرهم مال الناس على عبد الرحمن حتى ما أرى أحداً من الناس يتبع ذلك الرهط ولا يطأ عقبه، ومال الناس على عبد الرحمن [8] يشاورونه تلك الليالي، التي أصبحنا منها فبايعنا عثمان. قال المسور: طرقني عبد الرحمن بعد هَجْعٍ من الليل، فضرب الباب حتى استيقظت، فقال: أراك نائماً، فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادع الزبير وسعداً، فدعوتهما له، فشاورهما ثم دعاني، فقال: ادع لي عليّاً، فدعوته، فناجاه حتى إبهار الليل، ثم قام عليّ من عنده وهو على طمع، وقد كان عبد الرحمن يخشى زحف، فإن هذا من الكذب المعلوم، إذ لواء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يوم أحد مع مصعب بن عمير باتفاق الناس، ولواؤه يوم الفتح كان مع الزبير بن العوام، وأمره رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يركّز رايته بالحجون، فقال العباس للزبير بن العوام: أهاهنا أمرك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن تركز الراية؟ أخرجه البخاري في صحيحه [9] ."

وكذلك قوله:"وهو الذي صبر معه يوم حُنين".

وقد عُلم أنه لم يكن أقرب إليه من العباس بن عبد المطلب، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، والعباس آخذ بلجام بغلته وأبو سفيان بن الحارث آخذ بركابه، وقال له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:"ناد أصحاب السمرة"قال: فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ فوالله كأن عطفتهم عليَّ حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك. والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:"أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب"ونزل عن بغلته وأخذ كفّاً من حصى فرمى بها القوم وقال:"انهزموا ورب الكعبة"قال العباس:"فوالله ما هو إلا أن رماهم فما زلت أرى حدّهم كليلاً وأمرهم مدبراً، حتى هزمهم الله"أخرجاه في الصحيحين [10] . وفي لفظ للبخاري قال:"وأبو"

(1) لم أجد الحديث في مسلم مع طول بحثي عنه ..

(2) 5/ 15 - 18 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، باب قصه البيعة) والكلام التالي ص 17 - 18.

(3) البخاري 5/ 17: فقال.

(4) البخاري: فقال.

(5) البخاري: إلى عبد الرحمن بن عوف.

(6) جاء جزء من هذا الحديث في: البخاري 2/ 103 (كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم) .. والحديث في: البخاري 9/ 78 (كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس) .

(7) البخاري: لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر.

(8) البخاري: أولئك الرهط.

(9) الحديث عن نافع بن جبير (وهو تابعي) في: البخاري 4/ 53 (كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في لواء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ونصه: قال سمعت العباس يقول للزبير رضي الله عنه: أهاهنا أمرك النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن تركز الراية؟.

(10) الحديث عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في: مسلم 3/ 1398 - 1400 (كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين) ؛ المسند (ط. المعارف) 3/ 208 - 210. وذكر الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه:"والحديث رواه مسلم 2/ 10 - 61 من طريق يونس عن الزهري، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري. وكذلك رواه الحاكم في المستدرك 3: 327 وزعم أن الشيخين لم يخرجاه، واستدرك عليه الذهبي بإخراج مسلم إياه". وهكذا لا نجد ما يدل على أن حديث العباس رواه البخاري ولعل ابن تيمية يقصد أن الحديث بمعناه من رواية البراء بن عازب في البخاري. وأما قوله:"فما زلت أرى حدهم كليلا"أي: ما زلت أرى قوتهم ضعيفة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام