إليهم، بل قد يحذر الإنسان على ولده ما لا يحذره على نفسه.
فإن قيل: فإذا كان ما صح من فضائل عليّ رضي الله عنه، كقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله"، وقوله: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"، وقوله: "اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً" ليس من خصائصه، بل له فيه شركاء، فلماذا تمنّى بعض الصحابة أن يكون له ذلك، كما روى عن سعد وعن عمر؟
فالجواب: أن في ذلك شهادة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لعليّ بإيمانه باطناً وظاهراً، وإثباتاً لموالاته لله ورسوله ووجوب موالاة المؤمنين له. وفي ذلك رد على النواصب الذين يعتقدون كفره أو فسقه، كالخوارج المارقين الذين كانوا من أعبد الناس، كما قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيهم:"يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم" [1] وهؤلاء يكفّرونه ويستحلّون قتله، ولهذا قتله واحد منهم، وهو عبد الرحمن بن ملجم المرادي، مع كونه كان من أعبد الناس.
وأهل العلم والسُّنَّة يحتاجون إلى إثبات إيمان عليّ وعدله ودينه للرد على هؤلاء، أعظم مما يحتاجون إلى مناظرة الشيعة؛ فإن هؤلاء أصدق وأَدْيَن، والشبه التي يحتجون بها أعظم من الشبه التي تحتج بها الشيعة، كما أن المسلمين يحتاجون في أمر المسيح صلوات الله وسلامه عليه إلى مناظرة اليهود والنصارى، فيحتاجون أن ينفوا عنه ما يرميه به اليهود من أنه كاذب ولد زنا وإلى نفي ما تدّعيه النصارى من الإلهية، وجدل اليهود أشد من جدل النصارى، ولهم شبه لا يقدر النصارى أن يجيبوهم عنها، وإنما يجيبهم عنها المسلمون. كما أن للنواصب شبهاً لا يمكن الشيعة أن يجيبوا عنها، وإنما يجيبهم عنها أهل
(1) ما ذكره ابن تيمية هنا جزء من حديث - مع اختلاف في الألفاظ - عن عليّ وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم في: البخاري 4/ 200 - 201 (كتاب المناقب، باب علامات النبوة) ؛ مسلم 2/ 740 - 747 (كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، باب التحريض على قتل الخوارج) . وانظر: جامع الأصول لابن الأثير 1 - /436 - 440؛ سنن أبي داود 4/ 336 (كتاب السنة، باب في قتال الخوارج) ؛ سنن ابن ماجه 1/ 60 - 61 (المقدمة، باب في ذكر الخوارج) ؛ المسند (ط. الحلبي) 3/ 65، 68، 73، 353، 354 - 355.