يديه. وهذا الحديث أصح ما رُوي لعليّ من الفضائل، أخرجاه في الصحيحين من غير وجه. وليس هذا الوصف مختصّاً بالأئمة ولا بعليّ؛ فإن الله ورسوله يحب كل مؤمن تقي، وكل مؤمن تقي يحب الله ورسوله، لكن هذا الحديث من أحسن ما يُحتج به على النواصب الذين يتبرؤون منه ولا يتولونه ولا يحبونه، بل قد يكفِّرونه أو يفسقونه كالخوارج؛ فإن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم شهد له بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.
لكن هذا الاحتجاج لا يتم على قول الرافضة الذين يجعلون النصوص الدالة على فضائل الصحابة كانت قبل ردتهم؛ فإن الخوارج تقول في عليّ مثل ذلك، لكن هذا باطل، فإن الله - ورسوله - لا يطلق هذا المدح على من يعلم أنه يموت كافراً، وبعض أهل الأهواء من المعتزلة وغيرهم، وبعض المروانية ومن كان على هواهم، الذين كانوا يبغضونه ويسبونه.
وكذلك حديث المباهلة شركه فيه فاطمة وحسن وحسين، كما شركوه في حديث الكساء، فعُلم أن ذلك لا يختص بالرجال ولا بالذكور ولا بالأئمة، بل يشركه فيه المرأة والصبي، فإن الحسن والحسين كانا صغيرين عند المباهلة، فإن المباهلة كانت لما قدم وفد نجران بعد فتح مكة سنة تسع أو عشر، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم مات ولم يكمل الحسين سبع سنين، والحسن أكبر منه بنحو سنة، وإنما دعا هؤلاء لأنه أمر أن يدعو كل واحد من الأقربين: الأبناء والنساء والأنفس، فيدعو الواحد من أولئك: أبناءه ونساءه، وأخص الرجال به نسباً.
وهؤلاء أقرب الناس إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم نسباً، وإن كان غيرهم أفضل منهم عنده، فلم يؤمر أن يدعو أفضل أتباعه، لأن المقصود أن يدعو كل واحد منهم أخصّ الناس به، لما في جبلة الإنسان من الخوف عليه وعلى ذوي رحمه الأقربين إليه، ولهذا خصهم في حديث الكساء.
والدعاء لهم والمباهلة مبناها على العدل، فأولئك أيضاً يحتاجون أن يدعوا أقرب الناس إليهم نسباً، وهم يخافون عليهم ما لا يخافون على الأجانب، ولهذا امتنعوا عن المباهلة، لعلمهم بأنه على الحق، وأنهم إذا باهلوه حقت عليهم بهلة الله وعلى الأقربين