السُّنَّة.
فهذه الأحاديث الصحيحة المثبتة لإيمان عليّ باطناً وظاهراً ردّ على هؤلاء، وإن لم يكن ذلك من خصائصه، كالنصوص الدالة على إيمان أهل بدر وبيعة الرضوان باطناً وظاهراً؛ فإن فيها ردّاً على من ينازع في ذلك من الروافض والخوارج، وإن لم يكن ما يستدل به من خصائص واحد منهم. وإذا شهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لمعيَّن بشهادة، أو دعا له بدعاء، أحب كثير من الناس أن يكون له مثل تلك الشهادة ومثل ذلك الدعاء، وإن كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يشهد بذلك لخلق كثير ويدعو به لخلق كثير، وكان تعينه لذلك المعيّن من أعظم فضائله ومناقبه، وهذا كالشهادة بالجنة لثابت بن قيس بن شماس [1] وعبد الله بن سلام [2] وغيرهما، وإن كان قد شهد بالجنة لآخرين. والشهادة بمحبة الله ورسوله لعبد الله حمار الذي ضرب في الخمر [3] ، وإن شهد بذلك لمن هو أفضل منه، وكشهادته لعمرو بن تغلب بأنه ممن لا يعطيه لما في قلبه من الغنى والخير لما قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الصحيح:"إني لأعطي رجالاً وأدع رجالاً، والذي أدع أحبُّ إليَّ من الذي أعطى. أعطى رجالاً لما في قلوبهم من الهلع والجزع، وأكِلُ"
(1) الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في: مسلم 1/ 110 (كتاب الإيمان، باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله) أن ثابت بن قيس رضي الله عنه لما نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] حزن واحتبس عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وقال كلاماً آخره .. فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعد (بن معاذ) للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "بل هو من أهل الجنة". والحديث في المسند (ط. الحلبي) 3/ 137، 145 - 146، 287.
(2) روي البخاري 5/ 37 - 38 (كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه) ومسلم 4/ 1930 - 1932 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد الله بن سلام رضي الله عنه) حديثاً عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول فيه - وهذه رواية البخاري: ما سمعت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام .. الحديث كما رويا حديثاً آخر عن قيس بن عُبَاد ذكر فيه أنه كان في حلقة فيها قوم (عند مسلم: فيها سعد بن مالك وابن عمر رضي الله عنهم) . فمر عبد الله بن سلام فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة. فسأله قيس عن ذلك فذكر له عبد الله بن سلام أنه رأى رؤيا قصها على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فأولها له وقال في آخر كلامه صلَّى الله عليه وسلَّم: " .. وأما العروة فهي عروة الإسلام، ولن تزال مستمسكاً بها حتى الموت".
(3) الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في: البخاري 8/ 158 (كتاب الحدود، باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج عن الملة) .