أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد: 10] .
وقوله: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} [الفتح: 29] .
وقوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] .
وقوله: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} [الحشر: 8] ، وأمثال ذلك. فكيف يجوز أن يرد ما علمنا دلالة القرآن عليه يقيناً بمثل هذه الأخبار المفتراة، التي رواها من لا يخاف مقام ربّه ولا يرجو لله وقاراً؟!
الوجه السادس: أن هذه الأحاديث تقدح في عليّ، وتوجب أنه كان مكذّباً بالله ورسوله، فيلزم من صحتها كفر الصحابة كلهم: هو وغيره. أما الذين ناصبوه الخلافة فإنهم في هذا الحديث المفترى كفّار. وأما عليّ فإنه لم يعمل بموجب هذه النصوص، بل كان يجعلهم مؤمنين مسلمين. وشر من قاتلهم عليّ هم الخوارج، ومع هذا فلم يحكم فيهم بحكم الكفّار بل حرّم أموالهم وسبيهم، وكان يقول لهم قبل قتالهم: إن لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا ولا حقكم من فيئنا. ولما قتله ابن ملجم قال: إن عشت فأنا وليّ دمي، ولم يجعله مرتداً بقتله.
وأما أهل الجمل فقد تواتر عنه أنه نهى عن أن يتّبع مدبرهم، وأن يجهز على جريحهم، وأن يقتل أسيرهم، وأن تغنم أموالهم، وأن تسبى ذراريهم. فإن كان هؤلاء كفّاراً بهذه النصوص، فعليّ أول من كذّب بها، فيلزمهم أن يكون عليّ كافراً.
وكذلك أهل صفّين كان يصلّي على قتلاهم، ويقول: إخواننا بَغَوا علينا طهّرهم السيف. ولو كانوا عنده كفّاراً لما صلّى عليهم، ولا جعلهم إخوانه، ولا جعل السيف طهراً لهم.
وبالجملة نحن نعلم بالاضطرار من سيرة عليّ رضي الله عنه أنه لم يكن يكفّر الذين قاتلوه، بل ولا جمهور المسلمين، ولا الخلفاء الثلاثة، ولا الحسن والحسين كفّروا أحداً من هؤلاء، ولا عليّ بن الحسين ولا أبو جعفر. فإن كان هؤلاء كفّاراً فأول من خالف النصوص عليّ وأهل بيته، وكان يمكنهم أن يفعلوا ما فعلت الخوارج، فيعتزلوا بدراً غير دار الإسلام، وإن عجزوا عن القتال، ويحكموا على أهل دار الإسلام بالكفر والردة، كما يفعل مثل ذلك كثير من شيوخ الرافضة، وكان الواجب على عليّ إذا رأى أن الكفّار لا يؤمنون، أن يتخذ له ولشيعته داراً غير دار أهل الرّدّة والكفر، ويباينهم كما باين المسلمون لمسيلمة الكذّاب وأصحابه.
وهذا نبيّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان بمكة هو وأصحابه في غاية الضعف، ومع هذا