سبق الكلام له، ولا تقتضي اختصاص المشبَّه بالتشبيه، بل يمكن أن يشاركه غيره له في ذلك.
قال الله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ} [البقرة: 261] .
وقال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} [يس: 13] .
وقال: {مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} [آل عمران: 117] .
وقد قيل: إن في القرآن اثنين وأربعين مثلاً.
وقول القائل: إنه جعله بمنزلة هارون في كل الأشياء إلا في النبوة باطل، فإن قوله:"أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"؟ دليل على أنه يسترضيه بذلك ويطيِّب قلبه لِمَا توهم من وهن الاستخلاف ونقص درجته، فقال هذا على سبيل الجبر له.
وقوله:"بمنزلة هارون من موسى"أي مثل منزلة هارون، فإن نفس منزلته من موسى بعينها لا تكون لغيره، وإنما يكون له ما يشابهها، فصار هذا كقوله: هذا مثل هذا، وقوله عن أبي بكر: مثله مثل إبراهيم وعيسى، وعمر: مثله مثل نوح وموسى.
ومما يبين ذلك أن هذا كان عام تبوك، ثم بعد رجوع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعث أبا بكر أميراً على الموسم، وأردفه بعليّ، فقال لعليّ: أمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمورن فكان أبو بكر أميراً عليه، وعليّ معه كالمأمور مع أمره: يصلّي خلفه، ويطيع أمره وينادي خلفه مع الناس بالموسم: ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان [1] .
(1) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 1/ 78 - 79 (كتاب الصلاة، باب ما يُستر من العورة) ونصه: أن أبا هريرة قال:"بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين يوم النحر نؤذن بمنى ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عُريان. قال حميد بن عبد الرحمن (بن عوف) : ثم أردف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليّاً فأمره أن يؤذن ببراءة. قال أبو هريرة: فأذن معنا عليّ في أهل منى يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عُريان".
وجاء الحديث في مواضع أخرى في البخاري 2/ 153 (كتاب الحج، باب لا يطوف بالبيت عُريان ولا يحج مشرك) ، 5/ 167 (كتاب المغازي، باب حج أبي بكر بالناس سنة تسع) ، 6/ 64 (كتاب التفسير، سورة تفسير التوبة) ، 4/ 102 (كتاب الجزية، باب كيف ينبذ إلى أهل العهد) . والحديث أيضاً في: سنن أبي داود 2/ 264 - 265 (كتاب المناسك، باب يوم الحج الأكبر) ؛ سنن النسائي 5/ 186 (كتاب المناسك، باب قوله تعالى: خذوا مناسككم عند كل مسجد) ، سنن الدارمي 2/ 237 (كتاب السير، باب في الوفاء للمشركين بالعهد) ، المسند (ط. المعارف) 15/ 133 - 134.
وجاءت أحاديث أخرى في نفس الموضوع عن أبي بكر وعليّ وغيرهما من الصحابة رضوان الله عليهم أشار إلى بعضها ابن كثير في تفسيره (ط. الشعب) 4/ 44 - 53، وإلى بعضها الطبري. انظر تفسيره (ط. المعارف) 14/ 98 وما بعدها. وانظر المسند (ط. المعارف) 1/ 156، 2/ 32.