وكذلك لما قال للحسن وأسامة: "اللهم إني أحبهما فأحبهما، وأحب من يحبهما" [1] لا يقتضي أنه لا يحب غيرهما، بل كان يحب غيرهما أعظم من محبتهما.
وكذلك لما قال: "لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة" لم يقتض أن من سواهم يدخلها.
وكذلك لَمّا شبّه أبا بكر بإبراهيم وعيسى، لم يمنع ذلك أن يكون في أمته وأصحابه من يشبه إبراهيم وعيسى.
وكذلك لَمّا شبّه عمر بنوح وموسى، لم يمتنع أن يكون في أمته من يشبه نوحاً موسى.
فإن قيل: إن هذين أفضل من يشبههم من أمته.
قيل: الاختصاص بالكمال لا يمنع المشاركة في أصل التشبيه.
وكذلك لما قال عن عروة بن مسعود: "إنه مثل صاحب ياسين" [2] . وكذلك لما قال للأشعريين: "هم مني وأنا منهم" [3] لم يختص ذلك بهم، بل قال لعلي: "أنت مني وأنا منك" وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا" [4] وذلك لا يختص بزيد، بل أسامة أخوهم ومولاهم.
وبالجملة الأمثال والتشبيهات كثيرة جداً، وهي لا توجب التماثل من كل وجه، بل فيما
(1) في المسند (ط. الحلبي) 5/ 205 عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: كان نبي الله صلَّى الله عليه وسلَّم يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن بن عليّ على فخذه الأخرى ثم يضمنا ثم يقول:"اللهم ارحمهما فإني أرحمهما". وفي المسند (ط. الحلبي) 5/ 210 عن أسامة بن زيد قال: كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يأخذني والحسن فيقول: "اللهم إني أحبهما فأحبهما".
وجاء الحديث في كتاب"فضائل الصحابة"2/ 768 (حديث رقم 1352) وقال المحقق: إسناده صحيح.
(2) هو عروة بن مسعود بن متعب بن مالك الثقفي. قال ابن حجر في"الإصابة"2/ 470:"وثبت ذكر عروة بن مسعود في الحديث الصحيح في قصة الحديبية وكانت له اليد البيضاء في تقدير الصلح"ثم قال:"وفي رواية إسحاق أنه اتبع أثر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما انصرف من الطائف فأسلم واستأذنه أن يرجع إلى قومه، فقال:"إني أخاف أن يقتلوك". قال: لو وجدوني نائماً ما أيقظوني. فأذن له، فدعاهم إلى الإسلام ونصح لهم، فعصوه وأسمعوه من الأذى، فلما كان من السحر قام على غرفة له فأذّن، فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله، فلما بلغ ذلك النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال:"مثل عروة مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى الله فقتلوه". والخبر في: سيرة ابن هشام (4/ 182) ، زاد المعاد (3/ 498) ، إمتاع الأسماع (ص 489 - 490) ."
(3) الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في: البخاري 3/ 138 (كتاب الشركة، باب الشركة في الطعام والنهر ... ) ، مسلم 4/ 1944 - 1945 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل الأشعريين رضي الله عنهم) .
(4) الحديث في البخاري 3/ 184 - 185 (كتاب الصلح، باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان ... ) وهو حديث صلح الحديبية.