وإنما أردفه به لينبذ العهد إلى العرب، فإنه كان من عادتهم أن لا يعقد العقود وينبذها إلا السيد المطاع، أو رجل من أهل بيته. فلم يكونوا يقبلون نقض العهود إلا من رجل من أهل بيت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
ومما يبيّن ذلك أنه لو أراد أن يكون خليفة على أمته بعده، لم يكن هذا خطاباً بينهما يناجيه به، ولا كان أخَّرَهُ حتى يخرج إليه عليّ ويشتكي، بل كان هذا من الحكم الذي يجب بيانه وتبليغه للناس كلهم، بلفظ يبين المقصود.
ثم من جهل الرافضة أنهم يتناقضون، فإن هذا الحديث يدل على أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يخاطب عليّاً بهذا الخطاب إلا ذلك اليوم في غزوة تبوك، فلو كان عليّ قد عرف أنه المستخلف من بعده - كما رووا ذلك فيما تقدم - لكان عليّ مطمئن القلب أنه مثل هارون بعده وفي حياته، ولم يخرج إليه يبكي، ولم يقل له: أتخلفني مع النساء والصبيان؟
ولو كان عليّ بمنزلة هارون مطلقاً لم يستخلف عليه أحداً. وقد كان يستخلف على المدينة غيره وهو فيها، كما استخلف على المدينة عام خيبر غير عيّ، وكان عليّ بها أرمد، حتى لحق بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فأعطاه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الراية حين قدم، وكان قد أعطى الراية رجلاً فقال: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله".
وأما قوله:"لأنه خليفته مع وجوده وغيبته مدة يسيرة، فبعد موته وطول مدة الغيبة أولى بأن يكون خليفته".
فالجواب: أنه مع وجوده وغيبته قد استخلف غير عليّ استخلافاً أعظم من استخلاف عليّ، واستخلف أولئك على أفضل من الذين استخلف عليهم عليّاً، وقد استخلف بعد تبوك على المدينة غير عليّ في حجة الوداع، فليس جعل عليّ هو الخليفة بعده لكونه استخلفه على المدينة بأولى من هؤلاء الذين استخلفهم على المدينة كما استخلفه، وأعظم مما استخلفه، وآخر الاستخلاف كان على المدينة كان عام حجة الوداع، وكان عليّ باليمن، وشهد معه الموسم، لكن استخلف عليها في حجة الوداع غير عليّ.
فإن كان الأصل بقاء الاستخلاف، فبقاء من استخلفه في حجة الوداع أولى من بقاء