خطبته، وهو المجمع العام الذي أمر فيه بالتبليغ العام، عُلم أن إمامة عليّ لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه، بل ولا حديث الموالاة وحديث الثقلين ونحو ذلك مما يُذكر في إمامته.
والذي رواه مسلم أنه بغدير خم قال: "إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله" فذكر كتاب الله وحضَّ عليه ثم قال: "وعترتي أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي" ثلاثاً. وهذا مما انفرد به مسلم [1] ، ولم يروه البخاري، وقد رواه الترمذي وزاد فيه: "وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض" [2] .
وقد طعن غير واحد من الحفاظ في هذه الزيادة، وقال: إنها ليست من الحديث. والذين اعتقدوا صحتها قالوا: إنما يدل على أن مجموع العترة الذين هم بنو هاشم لا يتفقون على ضلالة. وهذا قاله طائفة من أهل السنة، وهو من أجوبة القاضي أبي يعلى وغيره.
والحديث الذي في مسلم، إذا كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قد قاله، فليس فيه إلا الوصية باتِّباع كتاب الله. وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك، وهو لم يأمر باتباع العترة، ولكن قال: "أذكركم الله في أهل بيتي" وتذكير الأمة بهم يقتضي أن يذكروا ما تقدم الأمر به قبل ذلك من إعطائهم حقوقهم، والامتناع من ظلمهم، وهذا أمر قد تقدم بيانه قبل غدير خُم.
فعلم أنه لم يكن في غدير خُم أمر يشرع نزل إذ ذاك، لا في حق عليّ ولا غيره، لا إمامته ولا غيرها.
لكن حديث الموالاة قد رواه الترمذي وأحمد في مسنده عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "من كنت مولاه فعليّ مولاه". وأما الزيادة وهي قوله: "اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه .. " إلخ، فلا ريب أنه كذب [3] .
(1) مسلم 4/ 1873 - 1874 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه) .
(2) الحديث بألفاظ مقاربة عن زيد بن أرقم وأبي سعيد الخدري وزيد بن ثابت رضي الله عنهم في: سنن الترمذي 5/ 328 - 329 (كتاب المناقب، باب مناقب أهل بيت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم) ، المسند (ط. الحلبي) 3/ 14، 17، 26، 59، 15/ 181 - 182، 189 - 190. وقال الترمذي:"هذا حديث حسن غريب".
(3) قال أبو عبد الرحمن: الحق خلاف ما ذهب إليه الإمام ابن تيمية رحمة الله عليه، والزيادة التي ذكرها ابن تيمية صحيحة. وقد أفاض العلامة الألباني - حفظه الله تعالى - في تخريج حديث الموالاة، واذكر كلامه بتمامه - لينتفع به طلبة العلم - ثم أعقب على كلامه بما يتيسر، وهذا التعقيب - رغم احترامي وتقديري لفضيلته - إنما هو محاولة إثبات أن ابن تيمية رحمه الله تعالى لم ينفرد بتضعيف حديث الموالاة وتلك الزيادة التي ذكرها رحمه الله تعالى.
قال العلامة الألباني - حفظه الله تعالى - في"سلسلة الأحاديث الصحيحة"ج 4 ص 330 وما بعدها، بعد أن أورد حديث الموالاة:
ورد من حديث زيد بن أرقم، وسعد بن أبي وقاص، وبريدة بن الحصيب، وعليّ بن أبي طالب، وأبي أيوب الأنصاري، والبراء بن عازب، وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وأبي سعيد، وأبي هريرة.
1 -حديث زيد، وله عنه طرق خمس:
الأولى: عن أبي الطفيل عنه قال: لما دفع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من حجة الوداع، ونزل غدير (خُم) ، أمر بدوحات فقُمِمنَ، ثم قال: كأني دعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، ثم قال: "إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن". ثم إنه أخذ بيد عليّ رضي الله عنه فقال:
"من كنت وليه، فهذا وليه، اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه".
أخرجه النسائي في"خصائص عليّ" (ص 15) والحاكم (3/ 109) وأحمد (1/ 118) وابن أبي عاصم (1365) والطبراني (4969 - 4970) عن سليمان الأعمش قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت عنه، وقال الحاكم:"صحيح على شرط الشيخين".
قلت: سكت عنه الذهبي، وهو كما قال لولا أن حبيباً كان مدلساً، وقد عنعنه. لكنه لم يتفرد به، فقد تابعه فطر بن خليفة عن أبي الطفيل قال:"جمع عليّ رضي الله عنه الناس في الرحبة ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ثلاثون من الناس، (وفي رواية: فقام ناس كثير) فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس: "أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم"؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: "من كنت مولاه، فهذا مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه"."
قال: فخرجت وكأن في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت عليّاً يقول كذا وكذا، قال: فما تنكر، قد سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول ذلك له"."
أخرجه أحمد (4/ 370) وابن حبان في"صحيحه" (2205 - موارد الظمآن) وابن أبي عاصم (1367 و 1368) والطبراني (4968) والضياء في"المختارة" (رقم 527 بتحقيقي) .
قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري.
وقال الهيثمي في"المجمع" (9/ 104) :"رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة، وهو ثقة".
وتابعه سلمة بن كهيل قال: سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم - شك شعبة - عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم به مختصراً: "من كنت مولاه، فعلي مولاه".
أخرجه الترمذي (2/ 298) وقال:"حديث حسن صحيح".
قلت: وإسناده على شرط الشيخين.
وأخرجه الحاكم (3/ 109 - 110) من طريق محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي الطفيل عن ابن واثلة أنه سمع زيد بن أرقم به مطولاً نحو رواية حبيب دون قوله:"اللهم والِ ....". وقال الحاكم:"صحيح على شرط الشيخين".
ورده الذهبي بقوله:"قلت: لم يخرجا لمحمد، وقد وهاه السعدي".
قلت: وقد خالف الثقتين السابقين فزاد في السند ابن واثلة، وهو من أوهامه. وتابعه حكيم بن جبير - وهو ضعيف - عن أبي الطفيل به. أخرجه الطبراني (4971) .
الثانية: عن ميمون أبي عبد الله به نحو حديث حبيب. أخرجه أحمد (4/ 372) والطبراني (5092) من طريق أبي عبيد عنه. ثم أخرجه من طريق شعبة، والنسائي (ص 16) من طريق عوف كلاهما عن ميمون به دون قوله:"اللهم وال"إلا أن شعبة زاد:"قال ميمون: فحدثني بعض القوم عن زيد أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: اللهم ... )."
وقال الهيثمي:"رواه أحمد والبزار، وفيه ميمون أبو عبد الله البصري، وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة". قلت: وصحح له الحاكم (3/ 125) .
الثالث: عن أبي سليمان (المؤذن) عنه قال:"استشهد عليّ الناس. فقال: أنشد الله رجلاً سمع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: اللهم من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه"، قال: فقام ستة عشر رجلاً فشهدوا". أخرجه أحمد (5/ 370) وأبو القاسم هبة الله البغدادي في الثاني من"الأمالي" (ق 20/ 2) عن أبي إسرائيل الملائي عن الحكم عنه. قال أبو القاسم:"هذا حديث حسن، صحيح المتن". وقال الهيثمي (9/ 107) :"رواه أحمد وفيه أبو سليمان، ولم أعرفه إلا أن يكون بشير بن سليمان، فإن كان هو فهو ثقة، وبقية رجاله ثقات". وعلق عليه الحافظ ابن حجر بقوله:"أبو سليمان هو زيد بن وهب كما وقع عند الطبراني"."
قلت: وهو ثقة من رجال البخاري، لكن وقع عند أبي القاسم تلك الزيادة"المؤذن"، ولم يذكروها في ترجمة زيد هذا، فإن كانت محفوظة، فهي فائدة تلحق بترجمته.
لكن أبو إسرائيل واسمه إسماعيل بن خليفة مختلف فيه، وفي"التقريب":"صدوق سيئ الحفظ".
قلت: فحديثه حسن في الشواهد. ثم استدركت فقلت: قد أخرجه الطبراني أيضاً (4996) من الوجه المذكور لكن وقع عنده:"عن أبي سليمان المؤذن"بدون المثناة بين اللام والميم، وهو الصواب فقد ترجمه المزي في"التهذيب"فقال:"أبو سليمان المؤذن: مؤذن الحجاج، اسمه يزيد بن عبد الله، يروي عن زيد بن أرقم، ويروي عنه الحكم بن عتيبة وعثمان بن المغيرة الثقفي ومسعر بن كدام، ومن عوالي حديثه ما أخبرنا ..". ثم ساق الحديث من الطرق المذكورة. وقال:"ذكرناه للتمييز بينهما". يعني: أن أبا سليمان المؤذن هذا هو غير أبي سليمان المؤذن، قيل: اسمه همام ... الذي ترجمه قبل هذا، وهذه فائدة هامة لم يذكرها الذهبي في كتابه"الكاشف".
قلت: فهو إذن أبو سلمان وليس (أبو سليمان) ، وبالتالي فليس هو زيد بن وهب كما ظن الحافظ، وإنمايزيد بن عبد الله كما جزم المزي، وإن مما يؤيد هذا أن الطبراني أورد الحديث في ترجمة (أبو سلمان المؤذن عن زيد بن أرقم) وساق تحتها ثلاثة أحاديث هذا أحدهما.
نعم وقع عنده (4985) من رواية إسماعيل بن عمرو البجلي: حدثنا أبو إسرائيل الملائي عن الحكم عن أبي سليمان زيد بن وهب عن زيد بن أرقم ... وهذه الرواية هي التي أشار إليها الحافظ واعتمد عليها في الجزم بأنه أبو سليمان زيد بن وهب، وخفي عليه أن فيها إسماعيل بن عمرو البجلي، وهو ضعيف، ضعفه أبو حاتم والدارقطني كما ذكر ذلك الحافظ نفسه في"اللسان".
الرابعة: عن يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم قال:"خرجنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى انتهينا إلى غدير (خم) ...". الحديث نحو الطريق الأولى، وفيه:"يا أيها الناس إنه لم يبعث نبي قط إلا عاش نصف ما عاش الذي قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده: كتاب الله ..". الحديث.
وفيه حديث الترجمة دون قوله:"اللهم والِ ....". أخرجه الطبراني (4986) ورجاله ثقات.
الخامسة: عن عطية العوفي قال: سألت زيد بن أرقم ... فذكره بنحوه دون الزيادة إلا أنه قال:"قال: فقلت له: هل قال: اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه؟ قال: إنما أخبرك كما سمعت". أخرجه أحمد 4/ 368 والطبراني (5068 - 5071) ورجاله ثقات، رجال مسلم غير عطية، وهو ضعيف. وله عند الطبراني (4983 و 5058 و 5059) طرق أخرى لا تخلو من ضعف.
2 -سعد بن أبي وقاص، وله عنه ثلاث طرق:
الأولى: عن عبد الرحمن بن سابط عنه مرفوعاً بالشطر الأول فقط. أخرجه ابن ماجه (121) . قلت: وإسناده صحيح.
الثانية: عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه به. أخرجه النسائي في"الخصائص" (16) وإسناده صحيح أيضاً، رجاله ثقات رجال البخاري غير أيمن والد عبد الواحد، وهو ثقة كما في"التقريب".
الثالثة: عن خيثمة بن عبد الرحمن عنه به وفيه الزيادة. أخرجه الحاكم (3/ 116) من طريق مسلم الملائي عنه.
قال الذهبي في"تلخيصه":"سكت الحاكم عن تصحيحه، ومسلم متروك".
3 -حديث بريدة، وله عنه ثلاث طرق:
الأولى: عن ابن عباس عنه قال:
خرجت مع عليّ رضي الله عنه إلى اليمن فرأيت منه جفوة، فقدمت على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فذكرت عليّاً، فتنقصته، فجعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يتغير وجهه، فقال: "يا بريدة! ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم"؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: "من كنت مولاه، فعلي مولاه". أخرجه النسائي والحاكم (3/ 110) وأحمد (5/ 347) من طريق عبد الملك بن أبي غَنِيَّة قال: أخبرنا الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وتصحيح الحاكم على شرط مسلم وحده قصور.
وابن أبي غَنِيَّة بفتح الغين المعجمة وكسر النون وتشديد التحتانية ووقع في المصدرين المذكورين (عيينة) وهو تصحيف، وهذا اسم جده، واسم أبيه حميد.
الثانية: عن ابن بريدة عن أبيه:
"أنه مر على مجلس وهم يتناولون من عليّ فوقف عليهم، فقال: إنه قد كان في نفسي على عليّ شيء، وكان خالد بن الوليد كذلك، فبعثني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سرية عليها عليّ، وأصبنا سبياً، قال: فأخذ عليّ جارية من الخمس لنفسه، فقال خالد بن الوليد: دونك، قال: فلما قدمنا على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم جعلت أحدثه بما كان، ثم قلت: إن عليّاً أخذ جارية من الخمس، قال: وكنت رجلاً مكباباً، قال: فرفعت رأسي، فإذا وجه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد تغير، فقال .."فذكر الشطر الأول.
أخرجه النسائي وأحمد (5/ 350 و 358 و 361) والسياق له من طرق عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عنه.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين أو مسلم. فإن ابن بريدة إن كان عبد الله، فهو من رجالهما، وإن كان سليمان فهو من رجال مسلم وحده.
وأخرج ابن حبان (2204) من هذا الوجه المرفوع منه فقط.
الثالثة: عن طاووس عن بريدة به دون قوله:"اللهم ...".
أخرجه الطبراني في"الصغير" (رقم - 171 - الروض) و"الأوسط" (341) من طريقين عن عبد الرزاق بإسنادين له عن طاووس. ورجاله ثقات.
4 -عليّ بن أبي طالب، وله عنه تسعُ طرق:
الأولى: عن عمرو بن سعيد أنه سمع عليّاً رضي الله عنه وهو ينشد في الرحبة: من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (فذكر الشطر الأول) فقام ستة نفر فشهدوا.
أخرجه النسائي من طريق هانئ بن أيوب عن طاووس (الأصل: طلحة) عن عمرو بن سعيد (الأصل: سعد) .
قلت: وهاني قال ابن سعد: فيه ضعف. وذكره ابن حبان في"الثقات"فهو ممن يستشهد به في الشواهد والمتابعات.
الثانية: عن زاذان بن عمر قال:
"سمعت عليّاً في الرحبة ..."الحديث مثله. وفيه أن الذين قاموا فشهدوا ثلاثة عشر رجلاً.
أخرجه أحمد (1/ 84) وابن أبي عاصم (1372) من طريق أبي عبد الرحيم الكندي عنه.
قلت: والكندي هذا لم أعرفه، وبيض له في"التعجيل"، وقال الهيثمي:"رواه أحمد وفيه من لم أعرفهم".
والثالثة والرابعة: عن سعيد بن وهب وعن زيد بن يُيع قالا:
نشد عليّ الناس في الرحبة: من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول يوم غدير خم إلا قام، فقام من قبل سعيد ستة، ومن قبل زيد ستة، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لعلي رضي الله عنه يوم غدير خم:
"أليس الله أولى بالمؤمنين" قالوا: بلى، قال: "اللهم من كنت مولاه ... " الحديث بتمامه.
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد"المسند" (1/ 118) وعنه الضياء المقدسي في"المختارة" (456 بتحقيقي) من طريق شريك عن أبي إسحاق عنهما.
ومن هذا الوجه أخرجه النسائي (16) ، لكنه لم يذكر سعيد بن وهب في السند، وزاد في آخره:
"قال شريك: فقلت لأبي إسحاق: هل سمعت البراء بن عازب يحدث بهذا عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: نعم".
قال النسائي: عمران بن أبان الواسطي ليس بالقوي في الحديث. يعني راويه عن شريك.
قلت: لكنه عند ابن أبي عاصم (1375) من طريق آخر عن شريك.
قلت: وشريك هو ابن عبد الله القاضي وهو سيئ الحفظ. وحديثه جيد في الشواهد، وقد تابعه شعبة عند النسائي (ص 16) وأحمد ببعضه (5/ 366) وعنه الضياء في"المختارة" (رقم 455 - بتحقيقي) .
وتابعه غيره كما سيأتي بعد الحديث (10) .
الخامسة: عن شريك أيضاً عن أبي إسحاق عن عمرو ذي مُر يمثل حديث أبي إسحاق يعني عن سعيد وزيد وزاد فيه:"وانصر من نصره، واخذل من خذله".
أخرجه عبد الله أيضاً، وقد عرفت حال شريك. وعمرو ذي مر، لم يذكر فيه ابن أبي حاتم (3/ 1/232) شيئاً.
السادسة: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
"شهدتُ عليّاً رضي الله عنه في الرحبة ينشد الناس .."فذكره مثله دون زيادة"وانصر ...".
أخرجه عبد الله بن أحمد (1/ 119) من طريق يزيد بن أبي زياد وسماك بن عبيد بن الوليد العبسي عنه.
قلت: وهو صحيح بمجموع الطريقين عنه، وفيهما أن الذين قاموا اثنا عشر. زاد في الأولى: بدرياً.
السابعة والثامنة: عن أبي مريم ورجل من جلساء عليّ عن عليّ أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال يوم غدير خم ... فذكره دون الزيادة، وزاد:
"قال: فزاد الناس بعد: والِ من والاه، وعادِ من عاداه".
أخرجه عبد الله (1/ 152) عن نعيم بن حكيم: حدثني أبو مريم ورجل من جلساء عليّ.
وهذا سند لا بأس به في المتابعات، أبو مريم مجهول. كما في"التقريب".
التاسعة: عن طلحة بن مصرف قال: سمعت المهاجر بن عميرة أو عميرة بن المهاجر يقول: سمعت عليّاً رضي الله عنه ناشد الناس .... الحديث مثل رواية ابن أبي ليلى.
أخرجه ابن أبي عاصم (1373) بسند ضعيف عنه، وهو المهاجر بن عميرة. كذا ذكره في"الجرح والتعديل" (4/ 1/261) من رواية عدي بن ثابت الأنصاري عنه. ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وكذا هو في"ثقات ابن حبان" (3/ 256) .
5 -أبو أيوب الأنصاري. يرويه رباح بن الحارث قال:
"جاء رهط إلى عليّ بالرحبة، فقالوا: السلام عليكم يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم، وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم غدير خم يقول: (فذكره دون الزيادة) قال رباح: فلما مضوا تبعتهم فسألت: من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري".
أخرجه أحمد (5/ 419) والطبراني (4052 و 4053) من طريق حنش بن الحارث بن لقيط النخعي الأشجعي عن رباح بن الحارث.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات.
وقال الهيثمي:"رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات".
6 -البراء بن عازب. يرويه عدي بن ثابت عنه قال:"كنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا: الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم تحت شجرتين فصلى الظهر، وأخذ بيد عليّ رضي الله تعالى عنه، فقال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ ..."الحديث مثل رواية فطر بن خليفة عن زيد. وزاد:
"قال: فلقيه عمر بعد ذلك، فقال له: هنيئاً يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة".
أخرجه أحمد وابنه في زائدة (4/ 281) وابن ماجه (116) مختصراً من طريق علي بن زيد عن عدي بن ثابت.
ورجاله ثقات رجال مسلم غير علي بن زيد وهو ابن جدعان، وهو ضعيف وله طريق ثانية عن البراء تقدم ذكرها في الطريق الثانية والثالثة عن عليّ.
7 -ابن عباس. يرويه عنه عمرو بن ميمون مرفوعاً دون الزيادة.
أخرجه أحمد (1/ 330 - 331) وعنه الحاكم (3/ 132 - 134) وقال:"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
8 و 9 و 10 - أنس بن مالك وأبو سعيد وأبو هريرة. يرويه عنهم عَميرة بن سعد قال: شهدت عليّاً رضي الله عنه على المنبر يناشد أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم غدير (خُم) يقول ما قال فليشهد. فقام اثنا عشر رجلاً، منهم أبو هريرة وأبو سعيد وأنس بن مالك، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: فذكره.
أخرجه الطبراني في"الصغير" (ص 33 - هندية رقم 116 - الروض) وفي"الأوسط" (رقم 2442) عن إسماعيل بن عمر: حدثنا مسعر عن طلحة بن مصرف عن عَميرة بن سعد به وقال:"لم يروه عن مسعر إلا إسماعيل".
قلت: وهو ضعيف، ولذلك قال الهيثمي (9/ 108) بعد ما عزاه للمعجمين:"وفي إسناده لين".
قلت: لكن يقويه أن له طرقاً أخرى عن أبي هريرة وأبي سعيد وغيرهما من الصحابة.
أما حديث أبي هريرة، فيرويه عكرمة بن إبراهيم الأزدي: حدثني إدريس بن يزيد الأودي عن ابيه عنه.
أخرجه الطبراني في"الأوسط" (1105) وقال:"لم يروه عن إدريس إلا عكرمة".
قلت: وهو ضعيف.
وأما حديث أبي سعيد، فيرويه حفص بن راشد: أخبرنا فضيل بن مرزوق عن عطية. عنه.
أخرجه الطبراني في"الأوسط" (8599) وقال:
"لم يروه عن فضيل إلا حفص بن راشد".
قلت: ترجمه ابن أبي حاتم (1/ 2/172 - 173) فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وأما غيرهما من الصحابة، فروى في"الأوسط" (2302 و 7025) من طريقين عن عميرة بن سعد قال:
سمعت عليّاً ينشد الناس: من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (فذكره) ، فقام ثلاث عشر فشهدوا أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: فذكره.
وعميرة موثّق.
ثم روى الطبراني فيه (5301) عن عبد الله بن الأجلح عن أبيه عن أبي إسحاق عن عمرو بن ذي مُر قال: سمعت عليّاً .. الحديث، إلا أنه قال:".. اثنا عشر".
وقال:"لم يروه عن الأجلح إلا ابنه عبد الله".
قلت: وهو ثقة، وقد رواه حبيب بن حبيب أخو حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن عمرو بن ذي مر وزيد بن أرقم قالا:
خطب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم غدير (خُم) فقال: فذكره، وزاد:
"... وانصر من نصره، وأعن من أعانه".
أخرجه الطبراني في"الكبير" (5059) .
وحبيب هذا ضعيف كما قال الهيثمي (9/ 108) .
وأخرج عبد الله بن أحمد في"زوائده على المسند" (1/ 118) عن سعيد بن وهب وزيد بن يثيع قالا:
نشد عليّ الناس في الرحبة: من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول يوم غدير (خم) إلا قام، فقام من قبل سعيد ستة، ومن قبل زيد ستة، فشهدوا ... الحديث. وقد مضى في الحديث الرابع - الطريق الثانية والثالثة.
وإسناده حسن، وأخرجه البزار بنحوه وأتم منه.
وللحديث طرق أخرى كثيرة، جمع طائفة كبيرة منها الهيثمي في"المجمع" (9/ 103 - 108) ، وقد ذكرت وخرجت ما تيسر لي منها مما يقطع الواقف عليها بعد تحقيق الكلام على أسانيدها بصحة الحديث يقيناً، وإلا فهي كثيرة جداً، وقد
وأما قوله في الطريق الخامس من حديث عليّ رضي الله عنه:
"وانصر من نصره، واخذل من خذله".
ففي ثبوته عندي وقفة، لعدم ورود ما يجبر ضعفه، وكأنه رواية بالمعنى للشطر الآخر من الحديث:"اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه".
ومثله قول عمر لعلي:"أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة".
لا يصح أيضاً لتفرد عليّ بن زيد به كما تقدم.
إذا عرفت هذا، فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته أنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية، قد ضعف الشطر الأول من الحديث، وأما الشطر الآخر، فزعم أنه كذب! وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها. والله المستعان.
أما ما يذكره الشيعة في هذا الحديث وغيره أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال ي عليّ رضي الله عنه:"إنه خليفتي من بعدي".
فلا يصح بوجه من الوجه، بل هو من أباطيلهم الكثيرة، التي دل الواقع التاريخي على كذبها، لأنه لو فرض أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قاله لوقع كما قال، لأنه {وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] ، والله سبحانه لا يخلف وعده، وقد خرجت بعض أحاديثهم في ذلك في الكتاب الآخر:"الضعيفة" (4923 و 4932) في جملة أحاديث لهم احتج بها عبد الحسين في"المراجعات"بيّنت وهاءها وبطلانها، وكذبه هو في بعضها، وتقوله على أئمة السنة فيها.
قال أبو عبد الرحمن: لم ينفرد ابن تيمية رحمه الله تعالى بتضعيف الشطر الأول وبتكذيب الشطر الآخر. وللاستزادة انظر: الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: (2/ 772) ، (3/ 948، 1107) ، (4/ 1327) ، (5/ 1691) ، (6/ 2102، 2222، 2378) . والعلل المتناهية لابن الجوزي 1/ 223.
وحديث الموالاة لا شك أنه من المتواتر، والزيادة رويت بأسانيد قوية. والحق خلاف ما ذهب إليه ابن تيمية وكذلك ابن حزم رحمهما الله تعالى، فالحق أحق بأن يتبع.