فهرس الكتاب
الصفحة 199 من 363

وهذا إنما يكون قبل تمام التبليغ، وفي حجة الوداع تم التبليغ.

وقال في حجة الوداع: "ألا هل بلغت ألا هل بلغت"؟ قالوا: نعم. قال: "اللهم اشهد" وقال لهم: "أيها الناس إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله. وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون"؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكبها إلى الأرض ويقول: "اللهم اشهد، اللهم اشهد" وهذا لفظ حديث جابر في صحيح مسلم وغيره من الأحاديث الصحيحة [1] .

وقال: "ليبلِّغ الشاهد الغائب، فربَّ مُبلَّغٍ أوعى من سامع" [2] .

فتكون العصمة المضمونة موجودة وقت التبليغ المتقدم، فلا تكون هذه الآية نزلت بعد حجة الوداع، لأنه قد بلَّغ قبل ذلك، لأنه حينئذ لم يكن خائفاً من أحدٍ يحتاج أن يُعصم منه، بل بعد حجة الوداع كان أهل مكة والمدينة وما حولهما كلهم مسلمين منقادين له ليس فيهم كافر، والمنافقون مقموعون مُسِرُّون للنفاق، ليس فيهم من يحاربه، ولا من يخاف الرسول منه. فلا يُقال له في هذه الحال: {بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] .

وهذا مما يبين أن الذي جرى يوم الغدير لم يكن مما أمر بتبليغه، كالذي بلَّغه في حجة الوداع، فإن كثيراً من الذين حجُّوا معه - أو أكثرهم - لم يرجعوا معه إلى المدينة، بل رجع أهل مكة إلى مكة، وأهل الطائف إلى الطائف، وأهل اليمن إلى اليمن، وأهل البوادي القريبة من ذاك إلى بواديهم. وإنما رجع معه أهل المدينة ومن كان قريباً منها.

فلو كان ما ذكره يوم الغدير مما أمر بتبليغه، كالذي بلَّغه في الحج، لبلَّغه في حجة الوداع كما بلَّغ غيره، فلما لم يذكر في حجة الوداع إمامةً ولا ما يتعلق بالإمامة أصلاً، ولم ينقل أحد بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه في حجة الوداع ذكر إمامة عليّ، بل ولا ذكر عليّاً في شيء من

(1) الحديث - مع اختلاف في الألفاظ - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في: مسلم 2/ 890 (كتاب الحج، باب حجة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم) ، المسند (ط. الحلبي) 4/ 367.

(2) الحديث عن أبي بكرة رضي الله عنه في: البخاري 2/ 176 - 177 (كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى) وهو بمعناه في: البخاري 1/ 20 (كتاب العلم، باب قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: رُبّ مبلغ أوعى من سامع) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام