داري [1] .
الرابع: أن قوله في هذا الحديث: أنت أخي ووارثي، باطل على قوله أهل السنة والشيعة، فإنه إن أراد ميراث المال بطل قولهم: إن فاطمة ورثته. وكيف يرث ابن العم مع وجود العم وهو العباس؟ وما الذي خصّه بالإرث دون سائر بني العم الذين هم في درجة واحدة؟ وإن أراد: وارث العلم والولاية، بطل احتجاجهم بقوله: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16] وقوله: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي} [مريم: 5، 6] ، إذ لفظ"الإرث"إذا كان محتملاً لهذا ولهذا أمكن أن أولئك الأنبياء ورثوا كما ورث عليّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
وأما أهل السنة فيعلمون أن ما ورَّثه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من العلم لم يختص به عليّ، بل كل من أصحابه حصل له نصيب بحسبه، وليس العلم كالمال، بل الذي يرثه هذا يرثه هذا ولا يتزاحمان، إذ لا يمتنع أن يعلم هذا ما علمه هذا، كما يمتنع أن يأخذ هذا المال الذي أخذه هذا.
الوجه الخامس: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قد أثبت الأخوة لغير عليّ، كما في الصحيحين أنه قال لزيد:"أنت أخونا ومولانا". وقال له أبو بكر لما خطب ابنته: ألست أخي؟ قال:"أنا أخوك، وبنتك حلالٌ لي" [2] . وفي الصحيح أنه قال في حق أبي بكر:"ولكن أخوة الإسلام".
وقال في الصحيح أيضاً:"وددت أن قد رأيت إخواني". قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال:"لا أنتم أصحابي ولكن إخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني"يقول: أنتم لكم من الأخوة ما هو أخص منها، وهو الصحبة، وأولئك لهم أخوة بلا صحبة.
وقد قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] وقال صلَّى الله عليه وسلَّم:"لا تقاطعوا ولا تدابروا، ولا تباغضوا ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً"أخرجاه في
(1) الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في: البخاري 3/ 96 (كتاب الكفالة، باب قول الله تعالى: والذين عاقدت أيمانكم ... ) ونصه:"... حدثنا عاصم، قال: قلت لأنس رضي الله عنه: أبلغك أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: لا حلف في الإسلام؟ فقال: قد حالف النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بين قريش والأنصار في داري". وجاء هذا الحديث أيضاً في مسلم 4/ 1960 (كتاب فضائل الصحابة، باب مؤاخاة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بين أصحابه) ، سنن أبي داود 3/ 178 (كتاب الفرائض، باب في الحلف) وفي مواضع أخرى في كتب السنة.
(2) الحديث عن عروة بن الزبير في: البخاري 7/ 5 (كتاب النكاح، باب تزويج الصغار من الكبار) ونصه: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم خطب عائشة إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك. فقال:"أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال". قال ابن حجر في"فتح الباري"9/ 124:"إنه وإن كان صورة سياقه الإرسال فهو من رواية عروة في قصة وقعت لخالته عائشة وجده لأمه أبي بكر، فالظاهر أنه حم ذلك عن خالته عائشة أو عن أمه أسماء بنت أبي بكر".