فهرس الكتاب
الصفحة 134 من 363

وحدّثني الثقة من أصحابنا أنه اجتمع بشيخ أعرفه، وكان فيه دين وزهد أحوال معروفة، لكن كان فيه تشيع. قال: وكان عنده كتاب يعظّمه، ويدّعي أنه من الأسرار، وأنه أخذه من خزائن الخلفاء، وبالغ في وصفه. فلما أحضره، فإذا به كتاب قد كُتب بخط حسن، وقد عمدوا إلى الأحاديث التي في البخاري ومسلم جميعها في فضائل أبي بكر وعمر ونحوهما جعلوها لعليّ. ولعل هذا الكتاب كان من خزائن بني عبيد المصريين، فإن خواصهم كانوا ملاحدة زنادقة غرضهم قلب الإسلام، وكانوا قد وضعوا من الأحاديث المفتراة التي يناقضون بها الدين ما لا يعلمه إلا الله.

ومثل هؤلاء الجهّال يظنون أن الأحاديث التي في البخاري ومسلم إنما أخذت عن البخاري ومسلم، كما يظن مثل ابن الطيب ونحوه ممن لا يعرف حقيقة الحال، وأن البخاري ومسلماً كان الغلط يروج عليهما، أو كانا يتعمدان الكذب، ولا يعلمون أن قولنا: رواه البخاري ومسلم علامة لنا على ثبوت صحته، لا أنه كان صحيحاً بمجرد رواية البخاري ومسلم، بل أحاديث البخاري ومسلم رواها غيرهما من العلماء والمحدِّثين من لا يحصي عدده إلا الله، ولم ينفرد واحد منهما بحديث: بل ما من حديث إلا وقد رواه قبل زمانه وفي زمانه وبعد زمانه طوائف، ولو لم يُخلق البخاري ومسلم لم ينقص من الدين شيء، وكانت تلك الأحاديث موجودة بأسانيد يحصل بها المقصود وفوق المقصود.

وإنما قولنا: رواه البخاري ومسلم كقولنا: قرأه القرّاء السبعة. والقرآن منقول بالتواتر، لم يختص هؤلاء السبعة بنقل شيء منه، وكذلك التصحيح لم يقلِّد أئمة الحديث فيه البخاري ومسلماً، بل جمهور ما صححاه كان قبلهما عند أئمة الحديث صحيحاً متلقى بالقبول، وكذلك في عصرهما وكذلك بعدهما قد نظر أئمة هذا الفن في كتابيهما، ووافقوهما على تصحيح ما صححاه، إلا مواضع يسيرة، نحو عشرين حديثاً، غالبها في مسلم، انتقدها عليهما طائفة من الحفّاظ، وهذه المواضع المنتقدة غالبها في مسلم وقد انتصر طائفة لهما فيها، وطائفة قررت قول المنتقدة.

والصحيح التفصيل؛ فإن فيها مواضع منتقدة بلا ريب، مثل حديث أم حبيبة، وحديث خلق الله البريّة يوم السبت، وحديث صلاة الكسوف بثلاث ركوعات وأكثر.

وفيها مواضع لا انتقاد فيها في البخاري، فإنه أبعد الكتابَيْن عن الانتقاد، ولا يكاد يروى لفظاً فيه انتقاد، إلا ويروي اللفظ الآخر الذي يبيّن أنه منتقد، فما في كتابه لفظ منتقد، إلا

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام