وفي كتابه ما يبيّن أنه منتقد.
وفي الجملة من نقد سبعة آلاف درهم، فلم يرج عليه فيها إلا دراهم يسيرة، ومع هذا فهي مغيَّرة ليست مغشوشة محضة، فهذا إمام في صنعته. والكتابان سبعة آلاف حديث وكسر.
والمقصود أن أحاديثهما انتقدها الأئمة الجهابذة قبلهم وبعدهم، ورواها خلائق لا يحصي عددهم إلا الله، فلم ينفردا لا برواية ولا بتصحيح، والله سبحانه وتعالى هو الكفيل بحفظ هذا الدين، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] .
وهذا مثل غالب المسائل التي توجد في الكتب المصنّفة في مذاهب الأئمة، مثل القدوري والتنبيه والخرقي والجلاب، غالب ما فيها إذا قيل: ذكره فلان، عُلم أنه مذهب ذلك الإمام، وقد نقل ذلك سائر أصحابه، وهم خلق كثير ينقلون مذهبه بالتواتر.
وهذه الكتب فيها مسائل انفرد بها بعض أهل المذهب، وفيها نزاع بينهم، لكن غالبها هو قول أهل المذهب. وأما البخاري ومسلم فجمهور ما فيهما اتفق عليه أهل العلم بالحديث، الذين هم أشد عناية بألفاظ الرسول وضبطاً لها ومعرفة بها من أتباع الأئمة لألفاظ أئمتهم، وعلماء الحديث أعلم بمقاصد الرسول في ألفاظه من أتباع الأئمة بمقاصد أئمتهم، والنزاع بينهم في ذلك أقل من تنازع الأئمة في مذاهب أئمتهم.
والرافضة - لجهلهم - يظنون أنهم إذا قلبوا ما في نسخةٍ من ذلك، وجعلوا فضائل الصديق لعليّ، أن ذلك يخفى على أهل العلم، الذين حفظ الله بهم الذكر.
الرابع: أن يقال: إن الذي تواتر عند الناس أن الذي قاتل أهل الرّدّة هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي قاتل مسيلمة الكذاب المدّعي للنبوة وأتباعه بني حنيفة وأهل اليمامة. وقد قيل: كانوا نحو مائة ألف أو أكثر، وقاتل طليحة الأسدي، وكان قد ادّعي النبوة بنجد، واتّبعه من أسد وتميم وغطفان ما شاء الله، وادّعت النبوة سجاح، امرأة تزوجها مسيلمة الكذّاب، فتزوج الكذّاب بالكذّابة.
وأيضاً فكان من العرب من ارتدّ عن الإسلام، ولم يتبع متنبئاً كذاباً. ومنهم قوم أقرّوا بالشهادتين، لكن امتنعوا من أحكامهما كمانعي الزكاة. وقصص هؤلاء مشهورة متواترة يعرفها كل من له بهذا الباب أدنى معرفة.
والمقاتلون للمرتدّين هم من الذين يحبهم الله ويحبونه، وهم أحق الناس بالدخول في هذه الآية، وكذلك الذين قاتلوا سائر الكفّار الروم والفرس. وهؤلاء أبو بكر وعمر ومن اتبعهما