فهرس الكتاب
الصفحة 421 من 669

أعمال الجاهلية ولا يختلف فيه" (7) ."

-وأجمع أهل العلم أيضًا على اختلاف مذاهبهم على أن المراد بالبكاء هنا: البكاء بصوت ونياحة لا مجرد دمع العين (8) ، لأن مجرد دمع العين قد ثبت عنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قوله وفعله كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد ابن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال:"قد قضى؟"قالوا: لا يا رسول الله، فبكى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما رأى القوم بكاء النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكوا فقال:"ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بِهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم" (9) .

من خلال هذا التحرير يتضح لنا أن الإشكال هنا إنما هو في حديث تعذيب الميت ببكاء الحى، لأن ظاهره مخالف للقرآن كما في قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (10) ولذلك أنكرته عائشة رضي الله عنها ومن تبعها، وذهب جمهور أهل العلم إلى تأويله حتي لا يخالف ما ثبت بالنص والإجماع من أن الميت لا يعذب بذنب غيره، قال الشوكاني:"وذهب جمهور العلماء إلى تأويل هذه الأحاديث لِمخالفتها للعمومات القرآنية وإثباتِها لتعذيب من لا ذنب له" (11) .

والحاصل أن أهل العلم سلكوا في هذه المسألة أو بالأحرى في هذا الحديث ثلاثة مذاهب هى كالتالي:

(7) المفهم (2/ 577) . وانظر: نيل الأوطار للشوكاني (4/ 129) .

(8) انظر مسلم بشرح النووي (6/ 484، 485) شرح معاني الآثار للطحاوى (4/ 293، 294) كشف المشكل لابن الجوزى (1/ 55) المفهم (2/ 576) .

(9) متفق عليه: البخارى (1/ 439) ح (1242) ومسلم (6/ 479) ح (923) .

(10) سورة الأنعام، آية (164) .

(11) نيل الأوطار (4/ 125، 126) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام