بعد ذلك، بل هو سنة مضطردة لا تتخلف في حروبهم وقتالهم، فزعمكم أن المسلمين أولى بهذا النظام والقانون من غيرهم كذب على الله وعلى رسوله وعلى المؤمنين، إذ لا يوجد غيرهم في هذا الباب ارحم من المسلمين في جهادهم قديماً وحديثاً حتى تضربوا لهم أمثال الرحمة بما يقوله المشركون اليوم.
ثمّ إن زعمكم أن استخدام غير المقاتلين في الصراعات لتحقيق أهداف أحد الخصمين صار قانوناً متبع كذب على مشرعي هذا القانون نفسه من الأنظمة الشركية الدولية، فماذا تسمون العقوبات الاقتصادية التي تشرع ضد الدول التي تمتنع عن الدخول في أنظمتهم؟ وهل هذا إلا نوع من أنواع الإيذاء والحرب ضد غير المقاتلين لتحصيل مقاصدهم في خصومهم، اذ المتضررون هم عامة الناس لا غير، ومع ذلك يشرعونه ولا يرون به بأساً، وأنتم في قلوبكم لا تنكرونه من أصله، بل حين تنكرونه، إنما تنكرونه لجوانب أخرى غير فساده في نفسه.
نقول لكم هذا الخطاب لما نعلم أن موازين قلوبكم ونفوسكم في معرفة الحق والباطل في قوانين الدفع والقتال هي ما غلب عليكم من شرور الدعوات الكاذبة اليوم، والتي تزعم أنهم أهل انسانية ورأفة في الحروب وقاونينها، في أن الحروب لا يحكم عليها بهذه الموازين، بل يحكم عليها بمقاصدها ابتداءً، وحروب غير المسلمين إنما هي للباطل والشر، فإما تقوم لنشر الشرك والكفر والفساد، وإما تقوم للشهوات وسلب الناس والاستعلاء عليهم واستعبادهم، وأما جهاد المسلمين فهو بحمد الله لله وفي الله وبالله، فإما أن يكون جهاد طلب فهو لنشر الدين واخراج الناس من عبادة البشر والحجر والأهواء والشيطان إلى عبادة رب العباد وحده، ولولا الجهاد وما نشر الله به التوحيد في الأرض لما كان في الأرض اسلام يحقق للناس السعادة في الدنيا والآخرة، وهذا مقصد عظيم تهون أمامه كل الشرور والمفاسد التي تقع، وأما أن يكون جهاد دفع والله يقول (( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق فأولئك لهم عذاب أليم ) )،فالمظلوم مستضعف لا يملك قدرة تكافئ قدرة الظالم لدفع ظلمه على قانون الظالم، ولذلك رفع الله عنه الحرج ليحصل من الوسائل التي يقجر بها دفع الظلم عنه، ثمّ إن زعمكم أن المدنيين لا دخل لهم في المعرمة فهذا كذب، اذ أن مظالم الطوائف الحاكمة وجرائم جنودها لا يعود نفعها عليهم فقط، بل إنما هو يأخذون ما يأخون من حقوق أمم الأمم والشعوب ويتنعم بها من تسمونهم بالمدنيين، ثمّ إنما الطوائف بشعوبها، والجنود منهم ليسوا مستوردين من أمم أخرى إنما هم منهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الصعب بن جثامة في الصحيح، هذا كله في ميزان ما تعقلون من خطاب، لكن جهالاتكم جاءت من باب آخر، وهي صداقاتكم، ومن القائكم السمع لطوائف من المشركين يزعمون أنهم على غير طريق حكوماتهم، وأنهم يحبون العدل والسلامة بين الأمم، وربما وافقوكم في بعض المظالم التي تتحدثون عنها، فتذهبون لتعمموا ما تسمعون، فتفرقون بين ما تسمونهم بالمدنيين والمقاتلين، لكن هذا من الوهم الخادع، ومن قلة الصبر بحقائق الناس في دار الحرب والكفر.
من هم البرءاء فيهم؟
هل هم أهل هؤلاء الجنود وأصدقائهم، ومن يستقبلونهم استقبال الأبطال إن عادوا إلى ديارهم بعد المعارك؟
هل هم الأكثرية التي تؤيد سياسات القادة الذين ساقوا الجنود لقتل أبنائكم وسلب دياركم؟