لقد هاجر أبو بكر رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك زوجه وبناته ولم يترك لهم شيئاً، لا يمنعهم من جهالة أبي جهل أحد كما جاء في الخبر أنهم جاؤوا إلى بيت أبي بكر يسألون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرعوا الباب، فخرجت إليهم أسماء بنت أبي بكر، فقالوا لها: أين أبوك؟ قالت: لا أدري والله أين أبي؟ فرفع أبو جهل يده -وكان فاحشاً خبيثاً- فلطم خدها لطمة طرح منها قرطها.
فهل تقولون هذا للأتقى الذي قال الله فيه (( وسيجنبها الأتقى، الذي يرتي ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى ) )؟!
إنكم لا تفهمون معنى الابتلاء في سبيل الله؟ لكنكم تجيزون أن ينفر آلاف الشباب إلى الغرب ليعيش بين المعاصي من أجل تحسين حاله المادي ومرتبته الدنيوية، وتعدون هذا فعلاً ممدوحاً، وكذلك لا تعيبون على من ترك أهله الشهور والسنين من أجل الدنيا والسعي في تحصيلها، لكن لما هاجر الشباب إلى الله وإلى مواطن الجهاد انتفض فيكم هذا العرق الميت من المغيرة على الأعراض فسالت منكم كلمات لا نعرفها من معاني قلوبكم قط.
إن كلماتكم هذا ليست غيرة على الأعراض، بل هي تخويف المجاهد والمهاجر كما يخوفه الشيطان، يلغي على مسامعه موانع الهجرة، وموانع الجهاد حتى ينكص ويستكين، ولو كنتم على فقه ابن الخطاب رضي الله عنه لقلتم كما قال عياش بن ربيعة وقد هاجرا معاً، قلما نزلا في بني عمر بن عوف بقباء، خرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام الى عياش -وكان ابن عمها وأخاهما لأمهما- حتى قدما المدينة، ورسول الله بمكة، فكلماه وقالا له:- إن امك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك، ولا تستظل من شمس حتى تراك. قال الفاروق:- فرقّ لها، فقلت له:- إنه -والله- إن يريد القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فوالله لو قد آذى أمك القملُ لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت )) .
انكم قد علمتم أن الناس من المؤمنين لن ينفروا للجهاد إلا بسبب غيرتهم على دين الله الذي انتهك، وعلى بلاد المسلمين التي استبيحت، فأردتم لهم القعود لهم القعود إلى النساء والأولاد والدنيا كما فعلتم أنتم، فذهبتم تعيرونهم بأمر تعلمون أنه يجد الصدى في قلوبهم، لأن أخص خصيصة المجاهدين اليوم وفي كل يوم أنهم أهل غيرة ايمانية، لا ينامون على ضيم، ولا يقبلون إلا معالي الأمور والمقامات.
لقد باء المجاهدين بمقامات السابقين المبتلين في أهلهم وأموالهم في سبيل الله، فإلى أي شيء صرتم أنتم من المقامات سوى ما يكرهه الله والمؤمنين؟.