أما زعمكم أن الذبح ليس من دينه ولم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا من كذبكم على دين الله تعالى، اذ أن اسماء الحبيب المصطفى الضحوك القتال، وقد كان كذلك؛ يعفو عن المسيء ما وسعه، وأما من عاند دين الله وكاد له أو أراد المسملين بشر فإنه يذبحه ولا يرحمه رحمة الضعفاء، ولا يعفو عنه عفو المغرر به، فهذا أبو عزة الشاعر عفى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر وأطلقه منّا عليه لضعفه على أن لا يقاتل ضده مرة أخرى فلما وجده بعد أحد في حمرء الأسد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:- يا محمد أقلني، وامنن علي، ودعني لبناتي، أعطيك عهداً ألا أعود لمثل ما فعلت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لا تمسح عارضيك بمكة تجلس تقول خدعت محمداً، اضرب عنقه يا زيد لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين.
ورسول الله هو من حرض على قتل كعب بن الأشرف، وأما موقعة قتل بني قريظة فغير مجهولة في عين التاريخ.
أما إنكاركم لهذه المقالة تقال في زمن الاستضعاف في مكة، وظنكم أن هذا لا يليق أن يقوله المرء وهو ضعيف فهو من جهلكم في هذا الحال، وقد تقدم الرد على هذا في الحديث السابق.
أما لو سألتم كيف يقولها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم وهم يحيطون به، وفيهم الوسع للفتك به وقتله، فهذا هو منهج الحبيب في تعليم أمته أن تقول الحق في لحظة الاستضعاف رجاء الأجر وتحصيل الثواب ونيل الشهادة، لذلك لأن وقت العزة والتمكين يكون فيه الأتباع كثير، والصارخون بالحق لا تميز لهم، وإنما يكون السبق والتمايز عندها يقل الناصر، ويضعف المدافع، فتخلو ساحة الحق إلا من رجال الصدق والمقامات العليا، وبهذا يكون المفردون.
ثمّ إن في هذا القول تعليم لأمة الاسلام أن يثقوا بموعود الله القادم، فإن المسلم القائل بالحق يتوعد أهل الكفر بالذبح وهو تحت سيف القتل صبراً.
نعم يقولها لهم أن الذبح مصيركم، فإنكم إن قتلتموني فسيكون من رجال الاسلام من يدخل إلى مخادعكم ويعمل فيكم قوله تعالى (( فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم ) )ويحيي فعل فيروز الديلمي وهو يدخل على الأسود العنسي مخدعه ويجتز رأسه، لأنه هكذا هي وراثة شباب الإسلام ورجاله، لا يبيتون على ضيم، ولا يستكينون لذلة، أما هؤلاء الذين يفرطون بدماء اخوانهم حيث علقوا على المشانق ثم خرجوا من السجن إلى أبواب القصور يكتبون كلمات الحمد لجلاد اخوانهم، فهؤلاء ليسوا على هدي الاسلام، ولا على هدي الرجولة التي يصاحب المرء عليها، وإني لأعجب لمن يدخل في دين هؤلاء ويكون من أتباعهم وهو يعلم أنهم ليسوا من الوفاء لدمه لو قتل في شيء.
(( لقد جئتكم بالذبح ) )يقولها المؤمن وهو مستضعف ثقة بوعد الله أنه لابدّ لهذا من يوم، ولما كنتم لا تعلمون لهذا اليوم ولا ترجونه فإنكم أعرضتم عنها وكرهتموها لأهل الاسلام.