على اعتلائه هذه المنزلة الرفيعة في الفقه وأصوله، تأثره بوالده أبي محمد الجويني، الذي قام بمحاولة جادة، عزم فيها على تأليف كتاب في الفقه لا يتقيد فيه بمذهب من المذاهب، فأنهى منه عدة أجزاء، لكن الحافظ البيهقي وضع حدا لهذه المحاولة، إذ وقعت هذه الأجزاء بين يديه، فقرأها، ثم بعث للجويني الأب رسالة بين له فيها الأخطاء الحديثية التي وقع بها في هذه الأجزاء، فما كان من أبي محمد إلا أن توقف عن إكمال مشروعه الرائد 1.
وقد انعكس ذلك على إمام الحرمين، فكان في الفقه أوأصوله لا يقبل رأيا إلا إذا بني على أدلة قطعية عقلية كانت أم نقلية، حتى لوكان هذا الرأي للشافعي نفسه. وقد استخدم لهذا المنهج الدقيق معيارا محددا، هوموافقة المسائل الفقهية لأدلتها التفصيلية. ومع ذلك بقي أبوالمعالي مخلصا للمذهب الشافعي، وبذل جهدا عظيما لترجيحه على بقية المذاهب الفقهية الأخرى.
وقد ترك الجويني مؤلفات قيمة في هذا الباب ومنها:
*نهاية المطلب في دراية المذهب 2:
وهومن الكتب النفيسة في الفقه الشافعي، ويقال له شهرة واختصارا:
«النهاية» . وقد بدأ الجويني بتأليف هذا الكتاب عند ما كان مجاورا في مكة المكرمة، وحرره في نيسابور 3 في عدة مجلدات. وقد وصفه السبكي قائلا:
«النهاية في الفقه، لم يصنف في المذهب مثلها فيما أجزم به» 4. وقد لاقى الكتاب قبولا واسعا بين العلماء والفقهاء، فتناولوه بالدرس والاختصار.
1)السبكي، طبقات الشافعية ج 5 ص 77.
2)يوجد لهذا الكتاب نسخة خطية غير كاملة في مكتبة أحمد الثالث رقم 1130، ويوجد عنها مصورة بمعهد المخطوطات العربية رقم 315 - 349، ونسخة بدار الكتب المصرية رقم 300، 301، 378، 546، ونسخة بمكتبة الإسكندرية رقم 44 فقه شافعي، ونسخة بآيا صوفيا رقم 1500، وقام بتحقيقه ونشره عبد العظيم الديب.
3)ابن قاضي شهبة، طبقات الشافعية ج 1 ص 256.
4)السبكي، طبقات الشافعية ج 5 ص 171.