فقد كان هذا السلطان سنيا على مذهب أبي حنيفة، فكيف يستوزر، أويغض النظر عمن هوفي مصاف خصوم أهل السنة، مع حاجته الشديدة إلى رضاهم عنه، وهذا دفع بالسمعاني والذهبي إلى التقليل من شأن هذه الاتهامات، وأشادا بمناقب الكندري ومآثره 1.
وقد استفاد بعض الباحثين المحدثين من هذه الإشادة، وعزوا كراهية الكندرية للأشاعرة، لأنهم أصبحوا منافسين حقيقيين للأحناف في تلك البلاد، وهذا مما يعرقل جهود السلطان طغرلبك، وعميد الملك الكندري الحنفيين في جعل المذهب الحنفي المذهب الرسمي للدولة 2.
لكن النص الذي أورده السبكي عن ابن الموفق يدفعنا إلى القول: إن العامل السياسي هوالذي دفع الكندري إلى ملاحقة الأشاعرة بعامة، وابن الموفق بخاصة، إذ يقول: «إن رئيس البلد (نيسابور) الأستاذ أبا سهل ابن الموفق. . . كان ممدحا جوادا ذا أموال جزيلة، وصدقات دارة، وهبات هائلة، ربما وهب الألف دينار لسائل، وكان مرموقا بالوزارة، وداره مجتمع العلماء، ملتقى الأئمة من الفريقين، الحنفية والشافعية، في داره يتناظرون، وعلى سماطه يتلقمون، وكان عارفا بأصول الدين على مذهب الأشعري، قائما في ذلك، مناضلا في الذب عنه، فعظم ذلك على الكندري لما في نفسه من المذهب، ومن بغض ابن الموفق بخصوصه، وخشيته منه أن يثب على الوزارة، فحسن للسلطان لعن المبتدعة على المنابر» 3.
فهذا النص يشير صراحة إلى تخوف الكندري من أن يثب ابن الموفق على الوزارة، ويستوزره السلطان السلجوقي، لما له من مكانة عالية وجاه عريض، وقد عرضت الوزارة على ابن الموفق في عهد السلطان ألب أرسلان إلا إنه اغتيل قبل تسلمها.
1)السمعاني، الأنساب ج 5 ص 102، والذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث (441 - 460) ص 423.
2)الماوردي، قوانين الوزارة، مقدمة المحقق رضوان السيد ص 54، والبيهقي، الأسماء والصفات، مقدمة المحقق حلمي فودة ص 57
3)السبكي، طبقات الشافعية ج 3 ص 390.