فهرس الكتاب
الصفحة 3 من 275

بعض المؤرخين والباحثين قديما وحديثا بالمديح والثناء، ولم يروا فيه من خلال كتبه المتقدمة إلا أشعريا متحمسا، وسخفوا، وبتحامل شديد، الذين أشاروا إلى التطور العقدي عند هذا الإمام في أواخر حياته. أما الآخرون فقد تحاملوا على إمام الحرمين في مناصرته للأشاعرة، ونالوا منه، ونسبوا إليه افتراءات لا تليق بمكانته، ثم هللوا وحمدلوا لهذا الإمام عند ما تناول بعض المسائل العقدية من وجهة نظر أهل السلف، فعدوه سلفيا خالصا، بناء على المواقف الجزئية التي وردت في العقيدة النظامية وانحاز فيها إلى فهم أهل السلف لها.

إن الدراسة الموضوعية لفكر إمام الحرمين، لن تتحصل لأي باحث إذا لم يأخذ بعين الاعتبار الخصائص النفسية والفكرية له، وبالأخص طبيعة التمرد الفكري التي لازمته طوال حياته، فالجويني منذ صغره كان متمردا على كل ما لا يقبله عقله، فكان يخضع كل ما يسمع أويقرأ لمنهج عقلي متشدد، مما دفعه إلى رفض كل ما يتعارض مع الآليات العقلية التي كونها في نفسه لاكتساب المعرفة أوإنتاجها، فهوعند ما كان في أوج أشعريته، عارض كبار الأئمة، كالإمام مالك، إذ غمز من قناته في المصالح المرسلة، وخالف الأشاعرة جميعا بما فيهم الأشعري نفسه، وأخذ بنظرية الأحوال البهشمية (1) مما أثار حفيظة المالكية والأشاعرة على حد سواء.

العقيدة النظامية، هوآخر مؤلف عقدي وصل إلينا لإمام الحرمين، وقد وجد فيه خصوم الأشاعرة انحيازا من الجويني إلى مذهب أهل السلف، أما الأشاعرة المتأخرون عنه فلم يسلموا له ببعض مواقفه في هذه العقيدة، وضمنوا كتبهم ردودا عليه في هذه المواقف، وانتصروا لشيخهم الأشعري، لذا فإن هذه العقيدة قد لاقت قبولا واهتماما بالغين عند الأشاعرة وخصومهم على حد سواء، فاستلوا الجزء الخاص بالعقيدة من الكتاب الأصل، الرسالة النظامية في الأركان الإسلامية، وأفردوه بالنسخ والنشر قديما وحديثا.

إن الدراسة المتأنية للعقيدة النظامية تزودنا بمستلزمات حقيقية للحكم

1)نسبة إلى أبي هاشم الجبائي.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام