وجرى من لا دراية له بالكلام في هذا الأصل، فسمعوا مطلقا، أن كلام الله في المصاحف، فسبقوا إلى اعتقاد ثبوت وجود الكلام الأزلي في الدفاتر، وارتبكوا في جهالات لا يبوء بها محصل 1.
ثم تطاول الدهر وتمادى العصر، فرسخ هذا الكلام في قلوب الحشوية 2، ولولا ذلك لما خفي على من معه مسكة من عقل، أن الكلام
في ط: ضر في. في ط: يكون.
في ط: ما.
1)ذهب هؤلاء إلى القول: إن الحروف والأصوات والرقوم المكتوبة قديمة أزلية، وقالوا: لا يعقل كلام ليس بحرف ولا كلم، وما دام الكلام قديما أزليا، فلا بد أن حروفه وكلماته وكتابته أزلية، واستدلوا على ذلك بما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ينادى الله تعالى يوم القيامة بصوت يسمعه الأولون والآخرون» وقالوا: إن موسى عليه السلام كان يسمع كلام الله كجر السلاسل، واستدلوا على ذلك أيضا بإجماع السلف على أن القرآن غير مخلوق، ومن قال هومخلوق فهوكافر بالله، ولا نعرف من القرآن إلا ما هوبين أظهرنا فنبصره ونسمعه ونقرؤه ونكتبه. انظر في ذلك: الملل والنحل للشهرستاني ص 106، والفصل في الملل والنحل لابن حزم ج 4 ص 100، وشرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص 527، والفرق بين الفرق للبغدادي ص 217، 218، والإرشاد للجويني ص 128 - 130، والإنصاف للباقلاني ص 98، ونشأة الفكر الفلسفي في الإسلام للنشار ج 1 ص 288.
2)الحشوية: مصطلح عام له معان مختلفة، فهناك حشوية الحديث، الذين أدخلوا (حشوا) في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هوغريب وشاذ وإسرائيليات، وقد قام علماء الحديث السنة بجهود رائعة لمقاومة الحشوفي حديث رسول الله سواء من جهة الرواية أوالدراية، ومن أجل ذلك سارعوا إلى جمع الحديث وفق قواعد وشروط محددة، ثم وضعوا علم الجرح والتعديل وعلم مصطلح الحديث قاصدين من ذلك إبعاد كل ما هوحشوودخيل على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهناك حشوية المتكلمة الذين صرحوا بالتشبيه والتجسيم، فقد أجازوا على الله تعالى الملامسة والمصافحة، وأن المسلمين المخلصين يعانقون الله في الدنيا والآخرة إذا بلغوا في الرياضة والاجهاد إلى حد الإخلاص والاتحاد المحض. كذلك قالوا بجسمية الله تعالى، فهوجسم ولحم ودم وله جوارح وأعضاء. . . كما أجروا الاستواء والوجه واليدين والإتيان والفوقية على ظاهر الألفاظ كما يفهم عند إطلاق ذلك على الأجسام. وهناك من رأى أن هذا المصطلح قد أخذ من كلام للحسن =