فهرس الكتاب
الصفحة 2 من 275

المقدمة [للمحقق]

كثيرا ما نخطئ في الحكم على الرجال، وما هم عليه من معتقد وأفكار، إذ نبادر بالحكم عليهم دون مراعاة لتبدل أحوالهم ومعتقداتهم، أوتطورها عبر الحقب الزمنية التي عاشها هؤلاء الرجال.

ومما يزيد هذه الأحكام خطأ وتعسفا، الانتقائية المفرطة التي تتحكم بنا عند ما نتناول شخصية فكرية أوسياسية بالدراسة والتحليل، خاصة إذا كان لنا موقف وجداني أوعقدي مناهض لها، فنلجأ بقصد أودون قصد، إلى إيقاف الزمن العقدي لهؤلاء الأشخاص، عند لحظة تاريخية أثر عنهم فيها قول أوكتاب أوانحياز إلى مذهب، أوموقف ما في إطار زمني محدد.

وكما يقول المفسرون إنه لا يجوز تناول الآيات القرآنية عضينا (1) عند تفسيرها، وإنما يجب جمع كامل الآيات التي وردت في السياق نفسه لتشكل كلا موحدا، فكذلك الأمر ينبغي أن يسود في دراسة الشخصيات الإسلامية التاريخية، فالتحول أوالصيرورة يحكمان كل ما يحيط بنا من فكر ومادة، فما خطب هؤلاء الذين يأبون إلا أن يقفوا في تصنيف الرجال عند مسامير زمنية يعلقون عليها عباءات كريهة من التشدد والمغالاة والتعصب. أ لم يكن الأشعري معتزليا إلى أن بلغ الأربعين سنة ثم انحاز إلى أهل السنة أ لم يكن القاضي عبد الجبار الهمذاني في بداية تمذهبه أشعريا ثم انقلب معتزليا أ لم يكن الغزالي متفلسفا ثم انقلب على الفلسفة وأهلها وسار على منهاج السالكين أ لم يكن إبراهيم بن أدهم في مطلع شبابه صيادا عابثا ثم أصبح من كبار المتصوفة

وإمام الحرمين عبد الملك الجويني، كان من هؤلاء الرجال الذين تناوله

(1) عضينا: أجزاء متفرقة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام