العظيمة والأجر الجزيل والمرتبة العالية لا يسلم من تبعة الدين، ودليل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:"يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين" (رواه مسلم) . والدين من أسباب عذاب القبر، ومن تساهل بالديون فيأخذ ولا يسدد، ويماطل، ففيه سفه كما قال بعض أهل العلم، لأنه غير راشد في تصرفه.
وقد كان رسول الله، لا يصلي على من عليه دين حتى يقضى عنه. إلا بعد الفتوحات الإسلامية، أصبح يقضي عنهم الدين ويصلي عليهم وقد ورد"أن رجلا مات وعليه درهمان فقدموه ليصلى عليه فقال رسول الله: هل عليه دين؟ قالوا نعم، قال صلوا على صاحبكم فتكفل أحد الأنصار بالسداد عنه فصلى عليه رسول الله، فلما كان من الغد قال رسول الله، هل قضيت ما على صاحبك؟ قال: نعم، وفي رواية قال رسول الله: الآن بردت عليه جلدته" (رواه أحمد والحاكم وأبو داوود وابن حبان) أي في القبر.
إن تمطل اليوم الحقوق مع الغِنى ... فغداً تؤديها مع الإفلاس
وإذا أحب الله يوماً عبده ... ألقى عليه محبة في الناس
وهنا قصتان أسوقهما لنرى ما وصل إليه القدماء من الأمانة وحفظ الحقوق:
القصة الأولى:
اشترى رجل من رجل عقارا فوجد المشتري في العقار جرة فيها ذهب، فأخذه وذهب إلى البائع وقال له: خذ ذهبك إنما اشتريت منك العقار فقط، ولم أشتر منك الذهب، قال البائع: لقد بعتك العقار بما فيه: (كل يريد أن يسلم ويتورع) .
فتحاكما إلى رجل فقال لهما، ألكما ولد؟ قال أحدهما: نعم لي ولد، وقال الآخر: لي بنت، قال الحاكم: زوجوا الولد إلى البنت من هذا المال، وما بقي لهما، ففعلا ذلك (رواه البخاري ومسلم) .
القصة الثانية:
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني إسرائيل سأل آخر أن يسلفه ألف دينار، فقال له: إئتني بشهداء أشهدهم، قال: كفى بالله شهيداً، قال: إئتني بكفيل، قال: كفى بالله كفيلاً، قال: صدقت، فأعطاه ألف دينار إلى أجل مسمى.
ذهب الرجل عبر البحر إلى قريته، ولما حان الأجل المسمى كان لزاما على الرجل أن يرد الدين لأنه جعل الله شهيدا وكفيلا، فبحث عن مركب يعبر به البحر فلم يجد، فأخذ خشبة فنقرها وأدخل فيها ألف دينار ومعها ورقة مكتوب فيها كلام لصاحب الدين، ثم وضع الخشبة في البحر وقال: اللهم إنك قد علمت أني استلفت من فلان ألف دينار فسألني كفيلا فقلت كفى بالله كفيلا فرضي، وسألني شهيدا فقلت كفى بالله شهيدا فرضي، وإني قد جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه بالذي أعطاني، فلم أجد، وإني استودعتك هذا المال، فلما رمى الحشبة إلى البحر ولجت فيه، ثم انصرف وهو