قال: نعم [1] أنا أقول ذلك، أنت أحدهم. وأخذ الله على أبصارهم عنه، فلا يَرَوْنه [2] ... ولم يبق منهم رجلاً إلا وضع على [3] رأسه تراباً، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب، فأتاهم آتٍ ممن لم يكن معهم فقال: ما تنتظرون هاهنا؟ قالوا: محمداً. قال: خيّبكم الله! قد والله خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلاً إلا وقد وضع على رأسه تراباً، وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم؟
قال: فوضع كلّ رجل منهم يده على رأسه، فإذا عليه تراب، ثم جعلوا يطّلعون [4] فَيَرَوْن عليّاً على الفراش مسجّى [5] ببُرد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فيقولون: والله إن هذا لمحمدٌ نائماً، عليه برده. فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا. فقام عليّ عن الفراش، فقالوا: والله لقد كان صدقنا الذي كان حدثنا [6] وكان مما أنزل الله من القرآن ذلك اليوم [7] : {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30] وقوله: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} الآية [الطور: 30] وأذن الله لنبيه [8] في الهجرة عند ذلك" [9] ."
فهذا يبيّن أن القوم لم يكن لهم غرض في عليٍّ أصلاً.
وأيضاً فإن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قد قال:"اتّشح ببردي هذا الأخضر، فنم فيه، فإنه لم يخلص إليك منهم رجل بشيء تكرهه"فوعده وهو الصادق، أنه لا يخلص إليه مكروه، وكان طمأنينته بوعد الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم.
الرابع: أن هذا الحديث فيه من الدلائل على كذبه ما لا يخفى، فإن الملائكة لا يقال فيهم
(1) نعم: ليست في"ابن هشام".
(2) بعد عبارة"فلا يرونه"توجد ثلاثة أسطر في"ابن هشام"اختصرها ابن تيمية.
(3) ابن هشام: إلا وقد وضع على ...
(4) ابن هشام: يتطلّعون.
(5) ابن هشام: متسجياً.
(6) ابن هشام: والله لقد كان صدقنا الذي حدثنا.
(7) ابن هشام (2/ 128) : قال ابن إسحاق: وكان مما أنزل الله عزَّ وجلَّ من القرآن في ذلك اليوم، وما كانوا أجمعوا له.
(8) ابن هشام: ذكر الآية التالية 31 من سورة الطور ثم ذكر أربعة أسطر اختصرها ابن تيمية ثم قال: قال ابن إسحاق: وأذن الله تعالى لنبيه صلَّى الله عليه وسلَّم.
(9) ابن هشام: عند ذلك في الهجرة.