من نصره واخذل من خذله"كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث [1] ."
وأما قوله:"من كنت مولاه فعليُّ مولاه"فلهم فيه قولان، وسنذكره إن شاء الله تعالى في موضعه.
الوجه السادس: أن دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم مُجاب، وهذا الدعاء ليس بمجابٍ. فعُلم أنه ليس من دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإنه من المعلوم أنه لَمّا تولّى كان الصحابة وسائر المسلمين ثلاثة أصناف: صنف قاتلوا معه، وصنف قاتلوه، وصنف قعدوا عن هذا وهذا. وأكثر السابقين الأوّلين كانوا من القعود. وقد قيل: إن بعض السابقين الأوّلين قاتلوه. وذكر ابن حزم أن عمّار بن ياسر قتله أبو الغادية، وأن أبا الغادية هذا من السابقين، ممن بايع تحت الشجرة. وأولئك جميعهم قد ثبت في الصحيحين أنه لا يدخل النار منهم أحد.
ففي صحيح مسلم وغيره عن جابر، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:"لا يدخل النار أحدٌ بايع تحت الشجرة" [2] .
وفي الصحيح أن غلام حاطب بن أبي بلتعة قال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار. فقال:"كذبت، إنه شهد بدراً والحديبية" [3] .
وحاطب هذا هو الذي كاتب المشركين بخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبسبب ذلك نزل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1] الآية، وكان مسيئاً إلى مماليكه، ولهذا قال مملوكه هذا القول، وكذّبه النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقال:"إنه شهد بدراً والحديبية"وفي الصحيح:"لا يدخل النار أحدٌ بايع تحت الشجرة".
(1) كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وغفر له ليس على إطلاقه، بل خالفه كثير من المحدثين في ذلك، وسيأتي الكلام مفصلاً في"الفصل الثاني"من"الباب الثاني"من هذا الكتبا. (م) .
(2) الحديث بهذه الألفاظ في: المسند (ط. الحلبي) 3/ 350 إلا أن فيه: أحد ممن بايع.
وجاء الحديث عن أم مبشر رضي الله عنهما في: مسلم 4/ 1942 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة) .
وجاء الحديث عن حفصة في:
سنن ابن ماجه 2/ 1431 (كتاب الزهد، باب ذكر البعث) . وذكر أحمد رواية مسلم في مسنده (ط. الحلبي) 6/ 420. وذكر روايتين أخريين بألفاظ مقاربة أو فيهما: لا يدخل النار أحد - وفي رواية: رجل - شهد بدراً والحديبية): 3/ 396، 6/ 285، 362.
(3) الحديث - مع اختلاف يسير في الألفاظ - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في: مسلم 4/ 1942 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم وقصة حاطب بن أبي بلتعة) ، المسند (ط. الحلبي) 6/ 326.