فهرس الكتاب
الصفحة 289 من 363

صلَّى الله عليه وسلَّم.

وأيضاً لا مانع من طول ذلك، لو شاء الله لفعل ذلك. لكن يوشع كان محتاجاً إلى ذلك، لأن القتال كان محرماً عليه بعد غروب الشمس، لأجل ما حرّم الله عليهم من العمل ليلة السبت ويوم السبت. وأما أمة محمد فلا حاجة لهم إلى ذلك، ولا منفعة لهم فيه، فإن الذي فاتته العصر إن كان مفرّطاً لم يسقط ذنبه إلا بالتوبة، ومع التوبة لا يحتاج إلى رد، وإن لم يكن مفرّطاً، كالنائم والناسي فلا ملام عليه في الصلاة بعد الغروب.

وأيضاً فبنفس غروب الشمس خرج الوقت المضروب للصلاة، فالمصلّى بعد ذلك لا يكون مصلّياً في الوقت الشرعي ولو عادت الشمس.

وقول الله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130] يتناول الغروب المعروف، فعلى العبد أن يصلّي قبل هذا الغروب، وإن طلعت ثم غربت. والأحكام المتعلقة بغروب الشمس حصلت بذلك الغروب، فالصائم يفطر، ولو عادت بعد ذلك لم يبطل صومه، مع أن هذه الصورة لا تقع لأحد، ولا وقعت لأحد، فتقريرها تقدير ما لا وجود له. ولهذا لا يوجد الكلام على حكمٍ مثل هذا في كلام العلماء المفرِّعين.

وأيضاً فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم فاتته العصر يوم الخندق، فصلاّها قضاءً، هو وكثير من أصحابه، ولم يسأل الله ردّ الشمس.

وفي الصحيح أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأصحابه بعد ذلك، لما أرسلهم إلى بني قريظة:"لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"فلما أدركتهم الصلاة في الطريق قال بعضهم: لم يرد منا تفويت الصلاة فصلّوا في الطريق، فقالت طائفة: لا نصلّي إلا في بني قريظة، فلم يعنف واحدةً من الطائفتين [1] .

فهؤلاء الذين كانوا مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صلّوا العصر بعد غروب الشمس، وليس عليّ بأفضل من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فإذا صلاّها هو وأصحابه معه بعد

(1) الحديث مع اختلاف يسير في الألفاظ - عن ابن عمر رضي الله عنهما في: البخاري 5/ 112 (كتاب المغازي، باب مرجع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من الأحزاب .... ) 2/ 15 مسلم 3/ 1391 (كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو ... ) وفيه: أن لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام