فهرس الكتاب
الصفحة 240 من 363

فهذا مقدّم الكفار إذ ذاك لم يسأل إلا عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر وعمر، لعله وعلم الخاص والعام أن هؤلاء الثلاثة هم رؤوس هذا الأمر، وأن قيامه بهم، ودلّ ذلك على أنه كان ظاهراً عند الكفار أن هذين وزيراه وبهما تمام أمره، وأنهما أخص الناس به، وأن لهما من السعي في إظهار الإسلام ما ليس لغيرهما.

وهذا أمر كان معلوم للكفّار، فضلاً عن المسلمين. والأحاديث الكثيرة متواترة بمثل هذا. وكما في الصحيحين عن ابن عباس قال: وُضع عمر على سريره فتكنّفه الناس يدعون له ويُثنون عليه ويصلُّون عليه قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت، فإذا هو عليّ فترحّم على عمر، وقال: ما خلّفت أحداً أحب إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك. وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذلك أني كثيراً ما كنت أسمع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما" [1] .

فلم يكن تفضيلهما عليه وعلى أمثاله مما يخفى على أحد. ولهذا كانت الشيعة القدماء الذين أدركوا عليّاً يقدّمون أبا بكر وعمر عليه، إلا من ألحد منهم. وإنما كان نزاع من نازع منهم في عثمان.

وكذلك قوله:"هو وليّ كل مؤمن بعدي"كذب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، بل هو في حياته وبعد مماته وليّ كل مؤمن، وكل مؤمن وليّه في المحيا والممات. فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان. وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها: والي كل مؤمن بعدي، كما يقول في صلاة الجنازة: إذا اجتمع الوليّ والوالي قُدِّم الوالي في قول الأكثر. وقيل: يقدّم الولي.

فقول القائل:"عليّ ولي كل مؤمن بعدي"كلام يمتنع نسبته إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول: بعدي. وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول: والٍ على كل مؤمن.

وأما قوله لعليّ:"أنت مني وأنا منك"فصحيح في غير هذا الحديث.

(1) الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما في: البخاري 5/ 9 - 10، 11 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، باب حدثنا الحميدي .. ، باب مناقب عمر بن الخطاب .. ) ، مسلم 4/ 1858 - 1859 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام