بحجة يجب اتباعها باتفاق المسلمين.
والله تعالى قد حرَّم علينا الكذب، وأن نقول عليه ما لا نعلم. وقد تواتر عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "مَن كَذَب عليَّ مُتعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار" [1] .
الوجه الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، وكل من له أدنى معرفة بالحديث [2] يعلم أن هذا كذب موضوع لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث في كتاب يعتمد عليه: لا الصحاح، ولا السنن، ولا المساند المقبولة.
الثالث: أن هذا مما لا يجوز نسبته إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فإن قائل هذا كاذب، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم منزّه عن الكذب. وذلك أن سيد المسلمين وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجلين هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم باتفاق المسلمين.
فإن قيل: عليّ هو سيدهم بعده.
قيل: ليس في لفظ الحديث ما يدل على هذا التأويل، بل هو مناقض لهذا؛ لأن أفضل المسلمين المتّقين المحجّلين هم القرون الأول ولم يكن لهم على عهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم سيد ولا إمام ولا قائد غيره، فكيف يخبر عن شيء بعد أن لم يحضر، ويترك الخبر عمّا هم أحوج إليه، وهو حكمهم في الحال؟
ثم القائد يوم القيامة هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فمن يقود عليّ؟
وأيضاً فعند الشيعة جمهور المسلمين المحجّلين كفّار أو فسّاق، فلمن يقود؟
وفي الصحيح عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "وددت أني قد رأيت إخواني". قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: "أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد". قالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ قال: "أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غرٌّ
(1) الحديث عن عدد من الصحابة منهم الزبير بن العوام وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنه في عدة مواضع من البخاري منها: 1/ 33 (كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم) ، مسلم 4/ 2298 - 2299 (كتاب الزهد، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم) . والحديث في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه والدارمي، وهو في المسند في مواضع كثيرة منها (ط. المعارف) الأرقام 6486، 6888، 7006 وذكر ابن الجوزي في مقدمة كتابه"الموضوعات"عن هذا الحديث إنه:"قد رواه من الصحابة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أحد وستون نفساً وأنا أذكره عنهم. قال الشيخ: شاهدته فذكره في غيره هذه النسخة عن ثمانية وتسعين منهم عبد الرحمن بن عوف ومنهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه".
(2) لم أجد هذا الحديث.