فهرس الكتاب
الصفحة 233 من 363

وسلَّم، ولم يكن له مالٌ ينفق عنه، بل كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قد ضمّه إلى عياله لما أصابت أهل مكة سنة.

الثاني: أنه قال: {وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل: 19] .

وعليّ كان للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم عنده نعمة تجزى، وهو إحسانه إليه لما ضمه إلى عياله. بخلاف أبي بكر؛ فإنه لم يكن له عنده نعمة دنيوية، لكن كان له عنده نعمة الدين، وتلك لا تُجزى؛ فإن أجر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيها على الله، لا يقدر أحد يجزيه. فنعمة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عند أبي بكر دينية لا تجزى، ونعمته عند عليّ دنيوية تجزى، ودينية.

وهذا الأتقى ليس لأحد عنده نعمة تُجزى، وهذا الوصف لأبي بكر ثابت دون عليّ.

فإن قيل: المراد به أنه أنفق ماله لوجه الله، لا جزاء لمن أنعم عليه. وإذا قُدِّر أن شخصاً أعطى من أحسن إليه أجراً، وأعطى شيئاً آخر لوجه الله، كان هذا مما ليس لأحد عنده من نعمة تجزى.

قيل: هب أن الأمر كذلك، لكن عليّ لو أنفق لم ينفق إلا فيما يأمره به النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، والنبي له عنده نعمة تجزى، فلا يخلص إنفاقه عن المجازاة، كما يخلص إنفاق أبي بكر.

وعليّ أتقى من غيره، لكن أبا بكر أكمل في وصف التقوى، مع أن لفظ الآية أنه ليس عنده قط لمخلوق نعمة تُجزى. وهذا وصف من يجازي الناس على إحسانهم إليه، فلا يبقى لمخلوق عليه منّة. وهذا الوصف منطبق على أبي بكر انطباقاً لا يساويه فيه أحد من المهاجرين؛ فإنه لم يكن في المهاجرين: - عمر وعثمان وعليّ وغيرهم - رجل أكثر إحساناً إلى الناس، قبل الإسلام وبعده، بنفسه وماله من أبي بكر. كان مؤلّفاً محبباً يعاون الناس على مصالحهم، كما قال فيه ابن الدُّغُنَّة سيد القارة لما أراد أن يخرج من مكة:"مثلك يا أبا بكر لا يَخْرُج ولا يُخْرَج؛ فإنك تحمل الكل، وتُقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق" [1] .

(1) الحديث عن عائشة رضي الله عنها في: البخاري 5/ 58 - 61 (هذه العبارات في ص 58) (كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه إلى المدينة) . وانظر الخبر في: سيرة ابن هشام 2/ 11 - 13. وفي تعليق المحققين:"واسم ابن الدغنة: مالك. وقد ضبطه القسطلاني بفتح الدال وكسر الغين وفتح النون مخففة، ويضم الدال وفتح النون مشددة".

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام