يُذكر فيها الإسناد الذي يُحتج به [1] ، وإذا كان في بعض كتب التفسير التي يُنقل منها الصحيح والضعيف، مثل تفسير الثعلبي والواحدي والبغوي، بل وابن جرير وابن أبي حاتم، لم يكن مجرد رواية واحدٍ من هؤلاء، دليلاً على صحته باتفاق أهل العلم؛ فإنه إذا عُرف أن تلك المنقولات فيها صحيح وضعيف، فلابد من بيان أن هذا المنقول من قسم الصحيح دون الضعيف.
وهذا الحديث غايته أن يُوجد في بعض كتب التفسير التي فيها الغث والسمين، وفيها أحاديث كثيرة موضوعة مكذوبة، مع أن كتب التفسير التي يُوجد فيها هذا مثل تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم والثعلبي والبغوي، يُنقل فيها بالأسانيد الصحيحة ما يناقض هذا، مثل بعض المفسرين الذين ذكروا هذا في سبب نزول الآية، فإنهم ذكروا مع ذلك بالأسانيد الصحيحة الثابتة التي اتفق أهل العلم على صحتها ما يناقض ذلك، ولكن هؤلاء المفسرون ذكروا ذلك على عادتهم في أنهم ينقلون ما ذُكر في سبب نزول الآية من المنقولات الصحيحة والضعيفة، ولهذا يذكر أحدهم في سبب نزول الآية عدة أقوال، ليذكر أقوال الناس وما نقلوه فيها، وإن كان بعض ذلك هو صحيح وبعضه كذب، وإذا احتج بمثل هذا الضعيف وأمثاله واحدٌ بذكر بعض ما نُقل في تفسير الآية من المنقولات، وترك سائر ما ينقل مما يناقض ذلك، كان هذا من أفسد الحجج، كمن احتجّ بشاهد يشهد له ولم تثبت عدالته بل ثبت جرحه، وقد ناقضه عدولٌ كثيرون يشهدون بما يناقض شهادته، أو يحتج برواية واحدٍ لم تثبت عدالته بل ثبت جرحه، ويدع روايات كثيرين عدول، وقد رووا ما يناقض ذلك.
بل لو قُدِّر أن هذا الحديث من رواية أهل الثقة والعدالة، وقد روى آخرون من أهل الثقة والعدالة ما يناقض ذلك، لوجب النظر في الروايتين: أيهما أثبت وأرجح؟ فكيف إذا كان أهل العلم بالنقل متفقين على أن الروايات المناقضة لهذا الحديث هي الثابتة الصحيحة، بل هذا الحديث مناقض لِمَا عُلم بالتواتر، وكثير من أئمة التفسير لم يذكروا هذا بحال لعلمهم أنه باطل.
الثاني: أنّا نرضى منه من هذا النقل العام بأحد شيئين: إما بإسنادٍ يذكره مما يحتج به أهل العلم في مسائل النزاع، ولو أنه مسألة فرعية، وإما قول رجل من أهل الحديث الذين يعتمد الناس على تصحيحهم.
(1) انظر كلام ابن تيمية التالي بعد صفحات، ويذكر فيها ورود هذا الحديث الموضوع في تفسير الطبري. ولم أجد الحديث في كتب السنة التي رجعت إليها.