روى الحافظ أبو نُعيم بإسناده إلى ابن عباس لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لعليّ: تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي خصماؤك غضاباً مفحمين، وإذا كان خير البريّة، وجب أن يكون هو الإمام"."
والجواب من وجوه: أحدها: المطالب بصحة النقل، وإن كنّا غير مرتابين في كذب ذلك، لكن مطالبة المدعي بصحة النقل لا يأباه إلا معاند. ومجرد رواية أبي نُعيم ليست بحجة باتفاق طوائف المسلمين.
الثاني: أن هذا مما هو كذب موضوع باتفاق العلماء وأهل المعرفة بالمنقولات.
الثالث: أن يُقال: هذا معارض بمن يقول: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم النواصب، كالخوارج وغيرهم. ويقولون: إن من تولاّه فهو كافر مرتد، فلا يدخل في الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ويحتجّون على ذلك بقوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] . قالوا: ومن حكَّم الرجال في دين الله فقد حكم بغير ما أنزل الله فيكون كافراً، ومن تولّى الكافر، فهو كافر، لقوله: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] وقالوا: إنه هو وعثمان ومن تولاهما مرتدون بقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:"ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، فأقول: أي رب أصحابي أصحابي. فيُقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم" [1] .
قالوا: وهؤلاء هم الذين حكموا في دماء المسلمين وأموالهم بغير ما أنزل الله.
واحتجوا بقوله:"لا ترجعوا بعدي كفَّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" [2] . قالوا: والذين
(1) هذا جزء من حديث طويل عن أبي هريرة رضي الله عنه في: مسلم 1/ 218 (كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة .. ) أوله: أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أتى المقبرة فقال:"السلام عليكم دار قوم مؤمنين .. وددت أنا قد رأينا إخواننا". قالوا: أو لسنا إخوانك يا سول الله؟ ... الحديث، وفيه ... قال:"فإنهم يأتون غُرّاً محجّلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليُذادن رجال عن وحوضي كما يُذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هَلُمَّ، فيقال: إنهم قد بَدَّلوا بعدك، فأقول سُحقاً سُحقاً". والحديث - مع اختلاف في اللفظ - في: الموطأ 1/ 28 - 30 (كتاب الطهارة، باب جامع الوضوء) ، سنن ابن ماجه 2/ 1439 - 1440 (كتاب الزهد، باب ذكر الحوض) . وجاء الحديث مختصراً في مسلم ومع اختلاف اللفظ 1/ 217 (رقم 37) .
(2) الحديث عن جرير بن عبد الله وعبد الله بن عمر وابن عباس رضي الله عنهم في: البخاري 1/ 31 (كتاب العلم، باب الإنصات للعلماء) ، مسلم 1/ 81 - 82 (كتاب الإيمان، باب بيان معنى قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: لا ترجعوا ... ) ، سنن أبي داود 4/ 305 (كتاب السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه) ، سنن الترمذي 3/ 329 (كتاب الفتن، باب لا ترجعوا بعدي كفاراً) ، سنن الدارمي 2/ 69 (كتاب المناسك، باب في حرمة المسلم) ، المسند (ط. المعارف) 7/ 316 - 317 وفي مواضع أخرى في المسند.