فهرس الكتاب
الصفحة 154 من 363

ومما يبيّن كذب ذلك وجوه: أحدها: أن هذا في سورة الرحمن، وهي مكية بإجماع المسلمين، والحسن والحسين إنما ولدا بالمدينة.

الثاني: أن تسمية هذين بحرين، وهذا لؤلؤاً، وهذا مرجاناً، وجعل النكاح مرجاً - أمر لا تحتمله لغة العرب بوجه، لا حقيقة ولا مجازاً، بل كما أنه كذب على الله وعلى القرآن، فهو كذب على اللغة [1] .

الثالث: أنه ليس في هذا شيء زائد على ما يوجد في سائر بني آدم، فإن كل من تزوج امرأة ووُلد لهما ولدان فهما من هذا الجنس، فليس في ذكر هذا ما يُستعظم من قدرة الله وآياته، إلا ما في نظائره من خلق الآدميين.

فلا موجب للتخصيص، وإن كان ذلك لفضيلة الزوجين والولدين، فإبراهيم وإسحاق ويعقوب أفضل من عليّ.

وفي الصحيح أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم سُئل: أي الناس أكرم؟ فقال:"أتقاهم". فقالوا: ليس عن هذا نسألك. فقال:"يوسف نبي الله، ابن يعقوب نبي الله، ابن إسحاق نبي الله، ابن إبراهيم خليل الله" [2] .

وآل إبراهيم الذين أمرنا أن نسأل لمحمد وأهل بيته من الصلاة مثل ما صلى الله عليهم، ونحن - وكل مسلم - نعلم أن آل إبراهيم أفضل من آل عليّ، لكن محمدٌ أفضل من إبراهيم. ولهذا ورد هنا سؤال مشهور، وهو أنه إذا كان محمد أفضل، فلم قيل: كما صليت على إبراهيم، والمشبَّه دون المشبَّه به.

وقد أجيب عن ذلك بأجوبة: منها: أن يُقال: إن آل إبراهيم فيهم الأنبياء، ومحمد فيهم. قال

(1) قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات:" (مرج البحرين يلتقيان) . قال ابن عباس: أي أرسلهما. وقوله: (يلتقيان) قال ابن زيد: أي منعهما أن تلتقيا بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفصل بينهما. والمراد بقوله (البحرين) : الملح والحلو، فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس. وقد قدمنا الكلام على ذلك في سورة الفرقان عند قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا} ... {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاّ يَبْغِيَانِ} أي وجعل بينهما برزخاً، وهو الحاجز من الأرض لئلا يبغي هذا على هذا وهذا على هذا ... (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) أي من مجموعهما فإذا وجد ذلك من أحدهما كفى ... واللؤلؤ معروف، وأما المرجان فقيل: هو صغار اللؤلؤ". وانظر تفسير الطبري، وزاد المسير لابن الجوزي، والدر المنثور للسيوطي.

(2) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 4/ 140 (كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} ، 4/ 149 (كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ} .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام