فالجمهور - أهل السنة - لا يثبتون بمثل هذا شيئاً يريدون إثباته: لا حكماً، ولا فضيلة، ولا غير ذلك، وكذلك الشيعة.
وإذا كان هذا بمجرده ليس بحجة باتفاق الطوائف كلها، بطل الاحتجاج به. وهكذا القول في كل ما نقله وعزاه إلى أبي نُعيم أو الثعلبي أو النقاش أو ابن المغازلي ونحوهم.
الثاني: قوله"قد أجمعوا أنها نزلت في عليّ"من أعظم الدعاوي الكاذبة، بل أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في عليّ بخصوصه، وأن عليّاً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع [1] .
وأما ما نقله من تفسير الثعلبي [2] ، فقد أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي يروي طائفة
(1) ذكر الطبري في تفسيره (ط. المعارف) 10/ 425 - 426 خمسة آثار فيها أن المقصود بالآية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهي الأرقام. 12210 - 12214 ففي الأثر الأول جاء عن السدي أنه قال: هؤلاء جميع المؤمنين ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتمه. وفي الآثار الثلاثة التالية أن الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب وأنه من الذين آمنوا.
وعلق الأستاذ محمود شاكر على الأثر 12213 وبيّن ضعف اثنين من رواته، وكذلك الأثر التالي 12214 ذكر عن أحد رواته وهو غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري ما يلي:"منكر الحديث متروك مترجم في لسان الميزان والكبير للبخاري 4/ 1/101 وابن أبي حاتم 3/ 2/48".
ثم قال الأستاذ محمود:"هذا وأرجح أن أبا جعفر الطبري قد أغفل الكلام في قوله تعالى: {وهم راكعون} وفي بيان معناها في هذا الموضع مع الشبهة الواردة فيه، لأنه كان يجب أن يعود إليه فيزيد فيه بياناً، ولكنه غفل عنه بعد".
ونقل الأستاذ محمود بعد ذلك كلاماً لابن كثير في تفسير هذه الآية قال فيه:"وأما قوله: {وهم راكعون} فقد توهم بعض الناس أن هذه في موضع الحال من قوله: {ويؤتون الزكاة} أي: في حال ركوعهم. ولو كان هذا كذلك، لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره، لأنه ممدوح. وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء، ممن نعلمه من أئمة الفتوى. وحتى أن بعضهم ذكر هذا أثراً على عليّ بن أبي طالب أن هذه الآية نزلت فيه ..."ثم ساق الآثار السالفة وما في معناها من طرق مختلفة.
ثم قال الأستاذ محمود شاكر:"وهذه الاثار جميعاً لا تقوم بها حجة في الدين، وقد تكلّم الأئمة في موقع هذه الجملة وفي معناها. والصواب من القول في ذلك أن قوله {وهم راكعون} يعني به: وهم خاضعون لربهم متذللون له بالطاعة ... إلخ".
وانظر كلام ابن كثير عن الآثار التي تذكر أن الآية نزلت في عليّ رضي الله عنه وتضعيفه لها.
(2) هو أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي المقرئ المفسر الواعظ الأديب اللغوي، صاحب كتاب"عرائس المجالس"في قصص الأنبياء وهو مطبوع، و"الكشف والبيان في تفسير القرآن"وهو مخطوط، وقد توفي الثعلبي سنة 427 هـ.
وانظر ترجمته في: ابن خلكان (1/ 61 - 62) ، إنباء الرواة (1/ 119 - 120) ، بغية الوعاة (ص 154) ، معجم الأدباء (5/ 36 - 39) ، اللباب لابن الأثير (1/ 194) ، طبقات المفسرين للداودي (1/ 65 - 66) ، الأعلام للزركلي (1/ 205 - 206) ، معجم المؤلفين (2/ 60) .
وذكر بروكلمان في مقالته عن الثعلبي في"دائرة المعارف الإسلامية"عن تفسير الثعلبي: وقد نقده ابن الجوزي فيما رواه ابن تغري بُردي لأنه أخذ فيه بالروايات الضعيفة وخاصة في السور الأولى. وانظر: البداية والنهاية (12/ 40) حيث يقول ابن كثير: وكان كثير الحديث واسع السماع، ولهذا يوجد في كتبه من الغرائب شيء كثير.