الظروف عورة وقد يغوي أحدهما الشيطان فتزل قدم بعد ثبوتها، ومما قالوا:
نظرة فابتسامة فسلام ... فكلام فموعد فلقاء
وما أدراك ماذا بعد اللقاء يعجز اللسان عن وصفه.
وقالوا:
أتاني هواها من قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبا خاويا فتمكنا
والشيطان في ظل هذه الظروف ثالثهما وهو شر ثالث.
فإذا لم يكن مضبوطاً بالشرع فيخشى على صاحبه الزلل والتخبط والوقوع في المحرم وكم من إنسان عشق فضل الطريق، والله يقول: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [سورة النساء:28] والقصص لا تحصى في هذا الموضوع حتى أنه إن لم يتحقق مقصود العاشق لابما أصابه المرض والجنون وربما تمكن الشيطان منه فقتل نفسه فانتهى كل شيء.
والسبب نظرة طائشة أو كلمة فاتنة، ويذكر أن قيس بن الملوح أحب امرأة اسمها ليلى فتولع قلبه بقلبها ولكن لما لم يتمكن من الزواج منها أصبح مجنونا بها شغوفا بحبها حتى أنه لقب (بمجنون ليلى) ، فتكدرت حياته وحياة أهله، حتى أن والده كبله بالحديد وذهب به إلى مكة ليطوف بالبيت الحرام عله أن يرجع لرشده وينساها ولكن قيسا كان في الطريق يناديها ويترنم باسمها وكأنها أمامه حتى أنه رأى قطيع غزلان فأخذ يخاطبهن ويقول:
بالله يا ضبيات الخلا قلن لي ... أليلاي منكن أم ليلى من البشر
ولما طاف بالبيت كان يدعو ويقول: اللهم زدني بليلى حبا وشغفا ثم يعلنها صريحة لأبيه:
أحبها وتحبني ... ويحب ناقتها بعيري
ولا عجب!!
يقول تعالى عن اللاتي افتتن بيوسف عليه السلام: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [سورة يوسف:31] .
ومثل هذا الحب والعشق والغرام محرم لما فيه من المفاسد، كالاشتغال بحب المخلوق عن حب الخالق فلا يجتمع في القلب هذا وهذا إلا ويقهر أحدهما الآخر ويكون السلطان والغلبة له، وكذلك عذاب القلب به فإن من أحب شيئاً كهذا عُذّبَ به وقد قيل:
فما في الأرض أشقى من محب ... وإن وجد الهوى حلو المذاق